الغدير ..القيادة الحكيمة
عندما نتفحص معنى الولاية تفحصاً دقيقاً ؛ ونظرنا الى موقف الرسول صلى الله عليه واله وسلم في تنصيبه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام ؛ لوجدنا ان الغاية الكبرى من هذا الحدث الكبير بأن الولاية لاتعني موقعاً تشريفيّاً لتأكيد القرابة أو النَّسب، بل هي أمرٌ إلهيّ تكليفيّ بوجوب تصدّي الشَّخص المؤهَّل لقيادة الأمَّة، لأنَّ المصلحة هي مصلحة بقاء الإسلام واستمراريَّته وعزَّته ؛ وجود من يمتلك من الأدوات ما يؤهله لتنفيذ مفاهيم الاسلام الحقة ولم يكن هناك أفضل من علي عليه السلام ..
وبما أن القيادة الإسلامية أو القيادة الرسالية تحديداً، تختلف عن باقي القيادات والزعامات الأخرى على أكثر من صعيد ومستوى، كونها تستوحي تعاليمها من الباري عزوجل، وتسعى لتطبيق شريعته وأحكامه بين الخلق إعتقاداً منها بهذه الشريعة والأحكام، وسعياً لنيل الرضا الإلهي وبلوغه، فإن حدود الطاعة لها أيضا منوط بهذه الأسس ولهذا كانت الاية الكريمة ({الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}[المائدة:3]، بيان وأشارة صريحة لقضيَّة الولاية والتي هي من القضايا المهمّة المصيريَّة في مستقبل الإسلام وقوَّته، ما يؤكّد ويؤيّد اعتبارها إكمالاً للدّين الّذي يحتاج إلى الرّعاية من الشّخص الّذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام، حتّى لم يعد هناك ـ في داخل ذاته ـ أيّ نوع من أنواع الفراغ الّذي يحتضن اهتمامات غير إسلاميّة. ولذا نرى الرساليون دوماً توَّاقون، يدأبون على أمرين هو شغلهم الشاغل بعد معرفة القيادة:
الأول: بناء الذات من خلال تزكية النفس.
الثاني: إصلاح الغير.
ولكن للأسف اثبتت المجتمعات جيل بعد آخر فشل كل القادة غير الممحصين والماديين، ولعل هذا أحد أسباب تطلع المجتع الى قائد حقيقي ينقذهم مما هم فيه ويحل مشاكلهم والتي اصبحت اليوم مشاكل عالمية ودولية، بعد أن كانت محصورة محلياً واقليمياً، فأصبح الامر بحاجة الى قائد فعلي تتطلع إليه الأمة بكل طوائفها وبخاصة بعد فشل كل الإطروحات المادية والعلمانية في تحقيق الحرية والرفاهية لبلادها، فكلما جاءت قيادة وضعت إطروحات جديدة وألغت التي قبلها وهكذا هو المنوال حتى خيّمت أجواء الكآبة واليأس والاحباط على الشعوب، بسبب الانتشار غير الطبيعي للوعود بالحرية والديمقراطية الحقيقية والرفاهية والسلام؛ والسبب يعود كون لم يكن هناك من يمثل القيادة الحقيقية للأمة الأسلامية وتُركت قضيّة الولاية للاجتهادات المختلفة الّتي ابتعدت عن الآسس ..
ولكن هذا لايعني أننا لانبتهج بهذا العيد الكبير فهو دعوة لمشاركة الجميع الفرحة والسرور لذلك القائد الذي جسد الآسلام بعطفه ورحمته مع الفقراء قبل الاغنياء مع الضعيف قبل القوي مع الحق ضد الباطل وهذا ماأشار اليه المرجع الصرخي في احدى محاضراته العقائدية ومشاركة النازحين والمعوزين الفرحة كما كان ابو الفقراء يفعل (..الإمام علي سلام الله عليه يتصدى لاستحقاق الدين وليس للتصدي والسلطة والحكم, وإنما يتصدى لمثل الدين لتثبيت الدين, لتثبيت الأحكام, لتطبيق الأحكام, ليس للسلطة والسرقة والإجرام والقتل والتهجير, والتمثيل بالجثث وسحل الجثث وحرق الجثث, والاعتداء على الأطفال والنساء, وتهديم البيوت وتهجير العوائل, وجعل الناس ونقل الناس من المكان الأمن والمدينة الآمنة والمحافظة الآمنة, وجعل هؤلاء المساكين في العراء, في الصحراء, وسط المياه, تحت الأمطار, يستجدون من هذا ومن ذاك, حتى الأموال " لا إله إلا الله " إلى أي مستوى من الرذالة والدناءة و الخسة عند هؤلاء – السياسيين ..)
فإنّنا نثير هذه الأفكار انطلاقاً من وعينا لأهميّة القيادة في حياة الأمّة، ليكون هذا الاتجاه في التّفكير أساساً للبحث من أجل مواجهة الموقف بجديّة ومسؤوليّة من ناحية المبدأ والمنطلق. فالأسلام بحاجة الى ألتقاء قيادته وسادته على الكلمة السواء لآن بقاء الأسلام كريماً عزيزاً مسؤولية كل مسلم .
هيام الكناني