توقفت كُل الأقلام عن الكتابة، ووقفت الأفكار والمشاعر عن التكفير والتعبير عن شخص نذر نفسه الزكية قُربانًا لله تعالى وهو يحمل كُل معاني الشموخ والثورة ضد الجبابرة والطغاة كيف لا وهو أبا الأحرار، ليس هو فقط حمل معنى التضحية والفداء حتى العائلة والأصحاب لا بل ذهب الأمر بعيدًا بأن تكون من تلك القرابين والنفوس الزكية طفل رضيع هو الأخر أمسَ شهيدًا في طف كربلاء مع قافلة الشهداء ، تلك الملحمة التي خلدها التاريخ وجسدَ قائدها الشموخ، والإباء، والعزة، والفخر، والشجاعة والتضحية من أجل إحقاق الحق ونبذ الباطل لكي يصبح نموذجًا خالدًا لكل الأحرار ومن يعشقون الحرية ورفض، الظلم، والطغيان أينَ ما حل وأين ما نزل، ذلك هو إمامنا الحسين-عليه السلام- إمام المظلومين ومن يطالبون بالإنصاف والعدالة وتحقيق المساواة بين العباد، وها قد حل علينا شهر محرم وقد بزق هلاله وأقول له مخاطبًا يا هلالُ، أفزعتَني بمحرم بجفاء، من بين الأهلّة لا أرى إلّا وفيك الدماء، معلّق أنت في السماء، فكيف مِن دماك تلطّخ أرض كربلاء؟! أغمض العين ولكن أسمع في صداك البكاء، وأفزع لأرى ما فيك فأجد خيام آل الرسول بينها صراخ النساء، وأنظر فيك حزّ الرأس المقدس وهو ملقى على الرمضاء، رأس حسين فلذة كبد الزهراء، وقمر العشيرة قد فاضت روحه بحجر الحسين مع السعداء، إنها ملحمةٌ لا ينصرها إلّا الشرفاء، ولا يخذلها إلّا الأشقياء، ففي خضم هذا الحزن نشكوه ونعزي بالعهد والوفاء، الرسول الأعظم وأهل بيته الأطهار بهذا المصاب الأعظم، لاسيّما المهدي طالب الثأر، والأمة الإسلامية والإنسانية والعلماء العاملين الأبرار، وحفيد النبي المختار، السيد الأستاذ الصرخي الحسني متّبع منهج الحسين بالعزم والإصرار، فما أحوجنا اليوم أن نأخذ من تلك الملحمة التاريخية عِبرًة وعَبرة تكون لنا منفعة دنيوية تنجينا من عذاب الآخرة وهول الوقوف بين يدي جبارٍ مقتدر خالق عظيم، ولا يمكن لنا أنّ نقيس ثورة أبي عبد الله بالمقاييس الدنيوية الزائلة، على أنها تحقق هدف ووسيلة وغاية دنيوية زائلة، أو أنها حرب لمصلحة جهة على حساب جهة أخرى، أومذهب على حساب مذهب أخر حيث تكون المنفعة في نهاية المطاف لتجار الحروب ومريدي الفتن، بل كانت ملحمة حسينية مهدوية غيرت مجرى العالم وأصبحَ كُل ثائر يتغنى ويقتدي بثورة ألإمام الحسين ويجعلها قدوة له في الانتصار ضد أعدائه ، ويتعلم منها الصبر الجميل القائد للانتصارات في نهاية الأمر .
سامي البهادلي