بقلم د.جلال حسن الجنابي
من أخطر ما يتعرض له الإنسان في حياته هو الإفتتان ومرور الفتن عليه أو تعرضه للفتن بالمباشر وأول مراتب خطورتها -أنها لا ُتعرف حين إقبالها ولا يُعرف لها وجه وقت نشوبها، يقف أمير المؤمنين -عليه السلام-على هذا المعنى واصفًا حال الفتنة أنها "إذاأقبلت تنكرت وإذا ولّت عرفت" لأنّ في إقبالها إخفاء لحقيقتها فتأتي مقنَّعة بقناع محبوب كقناع الدين أو الإنسانية أو غيره وقد تعرَّض المحقق الأستاذ الصرخي الحسني للفتنة وتطبيقاتها في عصرنا الحاضر في المحاضرة الأولى في بحثه الموسوم (الدولة المارقة في عصر الظهور منذ عهد الرسول –صلى الله عليه وآله وسلّم-) بقوله (عن حذيفة رضي الله عنه أنّه قال: إذا أحبّ أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا (كيف يعرف الإنسان قد أصبته الفتنة؟ تعرف الفتن وتميز الفتن وتعدد الفتن نظريًا لكن نأتي إلى التطبيق، نأتي إلى العمل، نأتي إلى السلوك، نأتي إلى المنهج، نأتي إلى المعتقد، كيف تميز الفتنة؟) عن حذيفة رضي الله عنه قال : إذا أحب أحدكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا ، فلينظر ؛ فإن كان رأى حلالا كان يراه حراما فقد أصابته الفتنة ، و إن كان يرى حراما كان يراه حلالا فقد أصابته " رواه الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
والآن نسأل: هل إنّ قتل الأخ من أبناء الوطن من أبناء الدين من أبناء الإنسانية، هل تراه حلالًا أم حرامًا؟ هل كان حلالًا وصرت تراه حرامًا أو كان حرامًا وصرت تراه حلالًا؟ هل تهجير الناس؟ هل الفرح بما يصيب الأبرياء؟ هل قتل الأبرياء؟ هل تهجير الأبرياء؟ هل إثارة الطائفية؟ هل الفساد والإفساد والسكوت على الفساد والإفساد كل هذا تراه حلالًا؟ هل كنت تراه حرامًا فصرت تراه حلالًا أم أنت قد فقدت الاتزان والميزان والتمييز منذ البداية ومن الأصل؟ إذًا علينا أن نميز، علينا أن نحدد، علينا أن نشخص، هل أنّ الإمام الحسين عليه السلام خرج لطلب الإصلاح؟ هل الإمام الحسين خرج ضد الفساد أم خرج ضد الإصلاح؟ هل الإمام الحسين خرج أم بقي؟ سكت أم تكلم وتحدث؟ طالب بحق طالب بإصلاح، طالب بمعروف، نهى عن منكر؟ أنت الآن ماذا تفعل؟ ونحن الآن في أيام عاشوراء هل تخرج لكربلاء لزيارة الحسين عليه السلام وأنت تقتدي بالحسين وتسر على سيرة الحسين، تهتم بالآخرين، تهتم بأمور المسلمين، خرجت ضد الفساد، خرجت للإصلاح، خرجت وتركت خلفك مظلوميات، خرجت وتركت الواجب في الدائرة في الوظيفة في المدرسة أو محل العمل المهني أو الأكاديمي أو غيره من أعمال، تركت العيال، تركت الأهل، تركت الواجب وذهبت لزيارة الحسين، تركت الواجب وذهبت إلى مستحب، هربت وتركت قضاء حاجة الناس وذهبت إلى مستحب، تركت الواجب فارتكبت المحرم وذهبت إلى مستحب، لا يبقى استحباب صار هذا الاستحباب مقدمة لترك الواجب، صار هذا الاستحباب مقدمة لارتكاب المحرم، فلا استحباب في الزيارة، فعليك أن تميز أن تفكر، أن تحدد هل أنك قد أصابتك الفتنة أم لا؟) وأخيرا أقول لا يكون هذا التمييز للفتن الا بإتباع العقل والدليل العلمي والإبتعاد عن التعلق بالعاطفة العمياء والإتباع للشخصيات والتعلق بها بدون عرضها على مختبر العلم والعقل ووزنها بميزان القرآن والسنة وضوابطهما.
http://www.al-hasany.com/vb/showthread.php?t=458729