الكاظم كان إماماً تقياً نقياً زاهداً
من خلال تقصي الحقائق و البحث الدقيق في تاريخ حياة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) وجدنا أنها تستحق الوقوف عندها و الاستزادة منها فهي حافلة بالمواقف النبيلة؛ نظراً لما قدمته هذه الشخصية الرائدة من خدمات عظيمة، و مواقف نبيلة كانت وما تزال في خدمة الإسلام، و شعوبه كافة، فلو وضعنا جانب الأخلاق على طاولة النقاش لوجدنا بصمتها واضحة المعالم، و الآثار بل و غنية عن التعريف، و أما الجانب السياسي، فإننا نرى حنكة سياسية لم تكن كالعقيمة، و الفاسدة التي نراها اليوم، فكان هذا الجانب يمتاز بالدقة، و العقلانية في التعامل مع مجريات الأحداث السياسية التي عايشها الكاظم ( عليه السلام ) فرغم كل العيون الاستخباراتية، و الوشايات التابعة للسلطة الحاكمة، و التي كانت تلاحقه أينما حل، و أرتحل، و رغم كل القيود التي كانت يتعرض لها إلا أنها لم تجعله في حيرة من أمره، بل استخدم معها الذكاء و الحكمة، فخرج بالحلول، و النتائج الإيجابية التي حافظت على بيضة الإسلام من الانزلاق في الهاوية، و أما زهده، و تقواه، فهو من الموروث العريق الذي استلهم بريقه من جده المصطفى ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فضرب أروع الصور في هذا الخلق النبيل، و أما الإيثار، و التضحية فقد جسدهما قولاً، و فعلاً من أجل إنقاذ الأمة من خطر الفتن، و الرياح الإرهابية التي تعصف بها في ذلك الوقت، و التي تعتبر الامتداد الطبيعي لما تمر به الأمة الإسلامية في عصرنا هذا، ففي أبسط مثالٍ نضعه بين يدي القارئ اللبيب، فإن جميع أولياء الله الصالحين رغم أنهم كانوا مستخلفين في الأرض، و لهم كامل الصلاحيات بالتصرف في ملك الباري (عز و جل ) إلا أنهم كانوا في عيش بسيط، و زهد كبير، و تقوى تُعد مثالاً حسناً لكل مَنْ يسعى لحصد ثواب الدارين، و يحيا حياة السعادة في جنات عرضها السموات، و الأرض، وهذا ما جعل تلك الشريحة الصالحة ترحل من الدنيا، وهي لا تملك شيئا منها غير العمل الصالح، فمن أسمى مواقفه النبيلة ما صنعه مع رجل من المدينة كان يشتمه، و يشتم علياً ( عليه السلام ) فمع ما كان لهذا العمل من ألم، و حرقة في نفسه، إلا أنه قابل الإساءة بالإحسان، فقد أعطى الرجل مبلغاً من المال، و في اليوم التالي دخل الرجل إلى مسجد المدينة المنورة، و عندما سأل عن الشخص الذي دخل المسجد، و قام له الناس احتراماً، و إجلالاً فقيل له هو الكاظم فقام الرجل، و قبله بين عينيه، و قال ( الله اعلم حيث يجعل رسالته ) و غيرها من المواقف النبيلة، المدرسة التي تربي الأجيال على أحسن وجهٍ، هذه هي بعض جوانب سيرة إمامنا الكاظم ( عليه السلام ) الذي عاش في كنف بيت النبوة، و نهل من معينه الذي لا ينضب ، عاش تقياً، نقياً، زاهداً في الدنيا، وما فيها، ترك تاريخاً حافلاً بالدروس و العبر القيمة، و الخُلُق الحميد، و أعطى للمجتمع بمختلف أطيافه المذهبية قيم، و أخلاق، و مبادئ سامية تحقق مقدمات دولة العدل، و الإنصاف، جعل الأقلام تنهل من بحر علومه و فيض أخلاقه الشريفة حتى قال فيه المفكر الأستاذ الصرخي الحسني في كتابه نزيل السجون واصفاً تلك الشخصية الفذة بالجوهرة الفريدة من نوعها :( لم يكن سياسياً بالسياسة الدنيوية، ولم يكن قائداً عسكرياً كقادة الجهاز الحاكم الظالم، ولم يكن مسؤولاً،أو زعيماً لجناح مسلح كعصابات السلب، و النهب، و سفك الدماء، و الإرهاب، ولم يكن منتهزاً وصولياً عابداً للمناصب، و الواجهات، كالمنتفعين الوصوليين العملاء الأذلاء في كل زمان ) .
https://a.top4top.net/p_829ogbwv1.png بقلم // احمد الخالدي