إقصاء الأعلم ليس من مستحدثات العصر القيادة تعني قدرة الشخص على فن الإقناع في المجتمع، فالقائد يتمتع بالعديد من المقومات المطلوبة، منها القدرة الفائقة على تحقيق المعنى الصحيح لهذا المفهوم الحيوي على أرض الواقع، ثم امتلاكه عقلية راجحة و رؤية ثاقبة ذات أفق بعيد في تطلعاته التي تدخل في خدمة الأمة، أيضاً يمتلك الخبرة الكافية في إدارة الأمور و الخروج من كل أزمة تواجهه أثناء تواجده في قمة الهرم المجتمعي، فضلاً عن المنهج المستقيم و الإداريات الناجحة في ممارسة دوره الريادي في إنجاح مهمته التي لا تخلو من المعرقلات، فهذه الأسس ليست متاحة لكل مَنْ هبَّ و دب، و مَنْ احتال على الناس فجاء بمباركة قِوى الاستكبار و الاستعمار فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا جديرين بتسلم زمام أمور القيادة، بل أنها كانت وما تزال موضع عناية السماء و محور اهتمامها فهي بمثابة الحلقة الأساس في حياة البشرية وهذا ما جاء على لسان رسولها الأمجد ( صلى الله عليه و آله و سلم) : ( إن الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها، فمَنْ دعا الناس لنفسه و فيهم مَنْ هو أعلم منه لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) و بذلك تكون السماء قد أغلقت كل الأبواب بوجه كل مَنْ يريد أن يصعد على أكتاف العباد تحت عناوين مزيفة مشروعها الذلة و الهوان للأمة و أبنائها بينما تعود بالنفع الكبير على صاحبها المنافق هذا يعني أن باب الكذب و الخداع سيكون ملجأ عبيد الدينار و الدرهم و الأصنام البشرية التي تضر و لا تنفع، و تجسيداً للواقع المفترض من قبل الله – تعالى – فقد صدحت الكثير من الحناجر العلمية و تعالت الأصوات الفكرية الراقية بهذا المنهج القويم أمثال الفيلسوف و المفكر الكبير محمد باقر الصدر فقال بهذا الصدد مقولته الشهيرة : ( إن القيادة لا تصلح إلا في ثلاثة : إما نبي مُرسل، أو إمام معصوم، أو مجتهد أعلم، وفي خلاف ذلك فإنها قيادة ضلال، و أتّباعها ضلال ) فهذه القاعدة الأساس للعلماء العارفين و الأصوليين أصحاب القيادة الصحيحة العاملة بتعاليم شريعة الإسلام فمن غير الممكن أن تخرج القيادة عن هذه الطرق الثلاث فلو ألقينا نظرة مهنية و موضوعية على ما يجري على بلدنا الجريح العراق المظلوم ومنذ عقود عديدة سنخرج يقيناً بمحصلة تضع النقاط على الحروف و تميز بين العالم الأعلم المُغيب و بين مَنْ يقود البلاد ومنذ أكثر من ستة عشر سنة فالأوضاع فيه يوماً بعد يوم من سيء إلى أسوء، فالخراب و الفساد و الهرج و المرج و ضياع الحقوق و انتهاك الأعراض و غياب الحريات و تكميم الأفواه و السرقات و الهدر الكبير للخيرات و الأموال كلها تجري تحت أنظار المؤسسة الدينية التي تصدت للقيادة بعد دخول المحتل في حين يُقصى أهل القيادة الصالحين أمثال الأستاذ المحقق الصرخي الحسني و يُستهدف بين الحين و الآخر بغية القضاء على مرجعيته الرسالية و رسالته الإصلاحية، فهذا المرجع نذر نفسه و علمه لخدمة البشرية جمعاء وهذا ما دفع بهذه المؤسسة تغيب مشروعه الإصلاحي العالمي الذي يسعى لخلاص للإنسانية برمتها، فمن هنا نستطيع القول أن إقصاء الأعلم ليس من مستحدثات العصر فلطالما كان هذا المشروع الناجح يزلزل عروش تلك المؤسسات و يضرب بمصالحها عرض الحائط فحتماً سيكون العداء الشرس موجوداً و جاهزاً بوجه الإصلاح الصادق لمنقذ البشرية جمعاء في المستقبل القريب العاجل .