علي ابن ابي طالب عنوان الوسطية و الاعتدال
مما لا شك فيه أن كل مَنْ يتصفح سيرة حياة علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) يقف عندها طويلاً، فحتماً أنه سيجد فيها المصداق الحقيقي لكل ما تضمنته كتب السماء، و سير الأنبياء ( عليهم السلام ) من أخلاق فاضلة، و شمائل حسنة، و مواقف نبيلة، و تضحيات كثيرة كلها كانت في سبيل رفعة الإسلام، فليس هذا بالغريب على أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فهو ربيب القرآن الكريم، و تلميذ المصطفى محمد ( صلى الله عليه و آله و سلم ) فقد قضى سني عمره يتررع في حجر النبي، و يستلهم منه الفكر النير، و الاخلاق الحسنة، و العلم الصحيح المنزل من الله ( جل و علا ) فكان بحق الانموذج الاسمى الذي جسد في القول، و الفعل مراد السماء و لعل الوسطية، و الاعتدال تملك الحيز الأكبر في حياته الشريفة، و نرى ذلك جلياً في مواقفه، و تعامله الطيب مع كل مَنْ يختلف معه في الرأي، ولو تصفحنا التاريخ بإمعان نجد أن الكثير من الناس كانت تسير عكس تياره الإصلاحي الجذري الحقيقي في الامة، فعدالته شهد لها القاصي و الداني، و العدو قبل الصديق، و لعل من أوضح تلك المصاديق سيرته الطيبة مع الخلفاء الراشدين ( رضي الله عنهم ) الذين سبقوه في زعامة المسلمين، فكان لهم كالسند عند الملمات، و الحصن لهم من مكائد اليهود، و المنافقين، ولا ننسى كيف كان اليهود ينهالون على ابي بكر، و عمر ( رضي الله عنهما ) بالاسئلة الفقهية، و الدينية، فكان علي ( عليه السلام ) يتصدى لها بالاجابة التي تقحم السائل، و تجعله يقر، و يعترف بأحقية الإسلام على سائر الأديان، ولا يرى بدءاً من الأنخراط برحابه العطرة الكريمة حتى قال الخليفة ابو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) بحق علي ( عليه السلام ) : ( قضية و لا أبا الحسن لها ) و تلك شهادة كتبها التاريخ بأحرف من نور، و قد أعطت في الوقت نفسه مدى حجم الوسطية، و الاعتدال عند الخليفة علي، و مدى تعامله المثالي مع الامة من جهة، و مع المخالفين معه في الرأي و الاتجاه و الفكر، و الأتجاه الفكريمن جهة أخرى، ولعنا نجد في المحقق الصرخي الحسني المرآة الناصعة التي عكست أخلاق، و وسطية، و اعتدال علي ابن ابي طالب بكل ما تعنيه الكلمة، فرغم ما تعرضه له من صد من الأمة إلا أنه لم يتنازل عن أخلاقه الكريمة، و مبادئه النبيلة، و قيمه الشريفة التي أصبحت عنواناً لكل مَنْ يبحث عن الحياة الكريمة، و العبادة الخالصة لله تعالى، فنجد صداها في محاضراته العلمية، و الفكرية، و بحوثه القيمة إلتي تتضمن نشر الوسطية و الاعتدال في الفكر، و الطرح العلمي بالإضافة إلى المنهج الجديد في الاستدلال، فهو قفزة نوعية في المناظرات العلمية، وقد شهد بذلك القاصي، و الداني، و الذي نريد أن نقوله أن الوسطية، و الاعتدال من أسس، و تشريعات ديننا الحنيف، و لا بديل عنها لجمع شمل الامة، فهي بضاعة إنسانية قبل أن تكون فكرية، وهذا ما جسده قولاً، و فعلاً كل المصلحين، و على مر التاريخ .
بقلم احمد الخالدي