الكاتب علاء اللامي
التناقض بين عمل الأمة وعواطفها وأعجب مظهر من مظاهر هذا الإنهيار هو التناقض الذي كان يوجد بين قلب الأمة وعواطف الأمة وعملها, هذا التناقض الذي عَبّر عنه الفرزدق بقوله للإمام الحسين-عليه الصلاة والسلام- ( إن قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) لا أنَّ جماعة قلوبهم معك وجماعة أُخرى سيوفهم عليك , بل الوحدات الثمانية في التناقض كلها محفوظة , ولكن مع هذا لاتناقض , لأن هذا الشخص الذي لايملك إرادته يمكن أن تتحرك يده خلاف قلبه وعاطفته , ولهذا كنا نراهم يبكون ويقتلون الإمام الحسين , لأنهم يشعرون بأنهم بقتلهم الإمام الحسين-عليه الصلاة والسلام- يقتلون مجدهم , يقتلون آخر آمالهم , يقتلون البقية الباقية من تراث الإمام علي-عليه الصلاة والسلام- , هذه البقية كان يعقد عليها كل الواعين من المسلمين الأمل في إعادة حياة الإسلام, في إعادة الحيــاة إلى الإسلام, كانوا يشعرون بأنهم يقتلون بهذا الأمل الوحيد الباقي للتخلص من الظلم القائم , ولكنهم مع هذا الشعور لم يكونوا يستطيعون إلا أن يقفوا هذا الموقف ويقتلوا الإمام الحسين, قتلوا الإمام الحسين وهم يبكون . وأسأل الله أن لايجعلنا نقتل الإمام الحسين ونحن نبكي, أن لايجعلنا نقتل أهداف الحسين-عليه الصلاة والسلام- ونحن نبكي . الإمام الحسين ليس إنساناً محدودًا عاش من سنة كذا ومات في سنة كذا , الإمام الحسين هو الإسلام ككل, الإمام الحسين هو كل هذه الأهداف التي ضحَّى من أجلها هذا الإمام العظيم هذه الأهداف هي الإمام الحسين, لأنها هي روحه, وهي فكره, وهي قلبه, وهي عواطفه, كل مضمون الإمام الحسين-عليه الصلاة والسلام- هي هذه الأهداف, هي هذه القيم المتمثّلة في الإسلام . فكما أن أهل الكوفة كانوا يقتلون الحسين وهم يبكون فهناك خطر كبير في أن نُمنى نحن بنفس المحنة, أن نقتل الحسين ونحن نبكي, يجب أن نشعر بأننا يجب أن لانكون على الأقل قتلةً الحسين ونحن باكون , البكاء لايعني أننا غير قاتلين للحسين لأن البكاء لو كان وحده يعني أن الإنسان غير قاتل للحسين إذن لما كان عمر بن سعد قاتلاً للحسين لأن عمر بن سعد بنفسه بكى حينما مرت زينب -عليها الصلاة والسلام- في موكب السبايا, في الضحايا, حينما التفتت إلى أخيها, حينما اتجهت إلى رسول الله-صلى الله عليه وآله- تستنجده وتستصرخه, أو تخبره عن جُثّّة الإمام الحسين وهي بالعراء, عن السبايا وهم مشتتون, عن الأطفال وهم مُقيّدون حينما أخبرت جدها-صلى الله عليه وآله- بكل ذلك ضجَّ القتلة كلهم بالبكاء, بكي السفّاكون, بكى هؤلاء الذين أوقعوا هذه المجازر, بكــوا بأنفسهم, إذن فالبكاء وحده ليس ضمانًا, العاطفة وحدها ليست ضمانًا لإثبات أن هذا صاحب العاطفة هو لايقف موقفًا يقتل فيه الإمام الحسين, أو يقتل فيه أهداف الإمام الحسين . لابد من امتحان, لابد من تأمل, لابد من تدبّر لابد من تعقّل لكي نتأكد من أننا لسنا قتلة للإمام الحسين, ومجرد أننا نحب الإمام الحسين, مجرد أننا نزور الإمام الحسين, مجرد أننا نبكي على الإمام الحسين, مجرد أننا نمشي إلى زيارة الإمام الحسين, كل هذا شيء عظيم شيء جيد شيء ممتاز شيء راجح, لكن هذا الشيء الراجح لايكفي ضمانًا ودليلاً لكي يُثبت أننا لانساهم في قتل الإمام الحسين-عليه الصلاة والسلام- . لأن بإمكان إنسان أن يقوم بكل هذا عاطفيًا وفي نفس الوقت يساهم في قتل الإمام الحسين . يجب أن نحاسب أنفسنا, يجب أن نتأمل في سلوكنا, يجب أن نعيش موقفنا بدرجة أكبر من التدبر والعمق والإحاطة والانفتاح على كل المضاعفات والملابسات , لكي نتأكد من أننا لانمارس من قريب أو بعيد بشكل مباشرًا و بشكل غير مباشر قتل الإمام الحسين-عليه الصلاة والسلام- ولقد كان لسماحة المحقق الصرخي موقفًا علاجيًا في بيانه 69 ولضيق المجال أذكر جزءًا من بيانه في المحطة الثالثة حيث قال: والآن أيها الأعزاء الأحباب وصل المقام الذي نسأل فيه أنفسنا، هل سرنا ونسير ونبقى نسير ونثبت ونثبت ونثبت على السير ونختم العمر بهذا السير المبارك المقدس السير الكربلائي الحسيني الإلهي القدسي في النصح والأمر والإصلاح والنهي عن المنكر وإلزام الحجة التامة الدامغة للجميع وعلى كل المستويات فنؤسس القانون القرآني الإلهي وتطبيقه في تحقيق المعذرة إلى الله تعالى أو لعلهم يتقون
حيث قال الله رب العالمين-سبحانه وتعالى- : { وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } الأعراف/164.
وبهذا سنكون إن شاء الله في ومن الأمة التي توعظ الآخرين وتنصح وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فينجها الله تعالى من العذاب والهلاك ،
فلا نكون من الأمة التي قعدت عن الأمر والنهي والنصح والوعظ فصارت فاسقة وظالمة وأخذها الله تعالى بعذاب بئيس.
ولا نكون من الأمة التي عملت السيئات ولم تنتهِ ولم تتعظ فعذبها الله تعالى وأهلكها وأخذها بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فقال لهم الله كونوا قردة خاسئين،
قال العزيز الحكيم:
{ لَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ } الأعراف/165-166.
المحطة الرابعة:
وبعد الذي قيل لابد أن نتيقن الوجوب والإلزام الشرعي العقلي الأخلاقي التاريخي الاجتماعي الإنساني في إعلان البراءة والبراءة والبراءة ……. وكل البراءة من أن نكون كأولئك القوم وعلى مسلكهم وبنفس قلوبهم وأفكارهم ونفوسهم وأفعالهم حيث وصفهم الفرزدق الشاعر للإمام الحسين-عليه السلام- بقوله :
(( أما القلوب فمعك وأما السيوف فمع بني أمية))
فقال الإمام الشهيد المظلوم الحسين-عليه السلام- :
(( صدقت ، فالناس عبيد المال والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درّت به معايشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديّانون ))
والسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين
وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين
وعلى الأنصار الأخيار السائرين على
درب الحسين ومنهجه قولًا وفعلًا
وصدقًا وعدلًا.