المسامحة والمصالحة تهزم الذات وتدفع البلاء وتنزل الرحمة في فكر المحقق الأستاذ
سليم العكيلي
ربما تختلف الابتلاءات ونزول العذاب على المجتمعات الإنسانية بقدر ما يكسبه الإنسان من اثم وبغي وعدوان وسفك للدماء ، فالأمراض والأوبئة لابد أن تتناسب مع حجم الجرائم والاعتداءات والذنوب التي ترتكبها البشرية ، كي يتعض الإنسان أو يتذكر أو يندم ، فالأمراض والمصائب الخفيفة ربما يحسبها الإنسان نتيجة حاصلة لغير الذنوب ، وربما يتصورها عارض من فعل أو جهد عصبي أو عضلي أو نفسي أو غيره ، لكن اليوم أقر الإنسان وأيقن واعترف بأن فايروس كورونا هو بلاء وابتلاء من الله ( جلت قدرته ) على ما كسبته أيدي الناس من ظلم وفواحش ورذيلة ، وهو تأديب وجرة إذن للمسلمين قبل الكافرين والملحدين ، فالعنصرية وحب الذات والانتصار لها ، جعلت من الفرد والمجتمعات تنسى دينها وتفتك ببعضها وتسرف في القتل والاعتداء والسرقة والنهب ، ولا يوجد حرمة لامرأ ة ولا لشيخ ولا لصغير ، تسفك الدماء على السواء ، وكذلك على الظن والعصبية وعلى الهوية ، لاينفع النصح والرشد والموعظة فيهم ، علمائهم الربانيون بينهم كأنبيا بني إسرائيل ، يحذرون القوم وينذرونهم ، ويجابهون بالقتل والتشريد والتطريد ، فالعلماء الربانيون يعلمون جيداً نتيجة تلك الأعمال والأفعال من نزول البلاء والعذاب والسخط الإلهي ، ويرجون من الله مالايرجون أولئك الجهلة والمجرمون ، لذلك فهم يأمرونهم بالرحمة والوداد والرأفة والتسامح قبل الندم وفوت التوبة ونزول العذاب ، لكن تنبيه الناس وإلقاء الحجة وتذكيرهم واجب شرعي وتكليف يقع على العلماء ، فلا يقفوا ولا ينتهوا في الأمر والنصح والإرشاد ، وقد كان بيان ( المسامحة والمصالحة ) الذي أصدره سماحة المحقق السيد الصرخي الحسني في سنة 2006 ، هو أحد تلك البيانات التي لو طبقت في وقتها أو بعد حين ، لكان العراق اليوم وشعب العراق وكل من إلتزم به في كل مكان في العالم لكان في أمن وأمان وحفظ الله تعالى ، لأن الله ينظر إلى القلوب وما تخفيه الصدور ، وهاهي الفقرة الثانية من البيان ، مع تحقق الظروف الموضوعية لها حيث قال
- ان تكون المصالحة عامة وشاملة دون إقصاء أو استثناء / 2 -
( فالواجب جعل منهجنا منهجاً قرآنياً إسلامياً إلهياً بالبيان الواضح والحكمة والموعظة الحسنة وإلزام الحجة للجميع (( من سنـــة وشيعـــة وعرب وكرد وإسلاميين وعلمانيين وغيرهم )) , بل أكثر من ذلك فيجب أن تشمل المصالحة البعثيين والتكفيريين من كل الطوائف والملل والنحل وإلزامهم الحجة جميعاً (( ونترك للقضاء العادل القول الفصل في إصدار الأحكام وتطبيق القصاص بحق المسيء والجاني من أي طائفة أو قومية أو دين كان ))
((وبالنسبة لي فاني أتنازل عن حقي القانوني والشرعي والأخلاقي واُبرء ذمة كل من كادَ لي وتآمر علي وسبـَّبَ أو باشـَرَ في اعتقالي وتعذيبي وظلمي في زمن النظام الدكتاتوري السابق أو في زمن الاحتلال , سواء كان المـٌسـَبــِّب أو المباشـِر بعثياً أو تكفيرياً أو غيرهما شرط ان يلتزم ((المـٌسـَبــِّب أو المباشـِر )) بالمصالحة وفق ما ذكرناه من شروط وضوابط ويكون صادقاً جاداً في ذلك
وأطلب بل أتوسل من الجميع أن يعفوا ويتنازل عن حقه القانوني والشرعي والأخلاقي ويبرء ذِمة كل من كادَ له , وتآمر عليه , وسـَبـَّبَ أو باشر في اعتقاله وتعذيبه وتشريده وترويعه وظلمه , في زمن النظام الدكتاتوري السابق أو في زمن الاحتلال , سواء كان المـٌسـَبــِّب أو المباشـِر بعثياً أو تكفيرياً أو غيرهما شرط أن يلتزم ((المـٌسـَبــِّب أو المباشـِر)) بالمصالحة وفق ما ذكرناه من شروط وضوابط ويكون صادقاً جاداً
والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين )
انتهى كلام المفكر الإسلامي ، لذلك فإن رفع هذا البلاء وتحقق نزول الرحمة الإلهية لا تتحقق في رفع الأيادي للدعاء فقط ، وإنما يحتاج منا إلى تنقية القلوب وتصفيتها من الحقد والكراهية والبغضاء ، لكي نهيئ الأسباب الحقيقية لنزول الرحمة الإلهية إن شاء الله تعالى .