الوجه الدميم لظاهر الجهل وباطن الجاهل !!
قيل ان لكل أمة جهلها وجُهالِها ومتخلفوها ؛ وقيل ان أكبر وأهم أسباب تخلف الإنسان وضعفه هو عدم اهتمامه بالقراءة التي تعني في ما تعنيه فرصة الاطلاع على أفكار وتجارب الآخرين ؛ وان كان ما قد قيل بعضه صحيحاً الان انه لا يعني ذلك ..
فالجهل لا ينتهي بمجرد قدرة الإنسان على القراءة في كتب المعرفة بل ينتهي فقط وفقط اذا عرف حقاً وعمل وفقه نفسه سواء كان ذلك عن طريق القراءة أو عن طريق المعاينة..
والجهل موقف عقلي عام بالنسبة لضروريات الحياة العادية، موقف يختلف من مكان إلى آخر؛ حيث لا يمكن تقرير طبيعته؛ ويستحيل تحديده بصفة واحدة ؛ أحياناً يستعمل الانسان مقياس خاطىء في تشخيص علة ما وذلك عندما نقتصر فقط على القراءة والكتابة فهو ليس الأمية بحد ذاتها ؛بل الجهل وهو مرض يجعل من الانسان مخلوقاً أنانياً خالياً من أي أحساس بالرحمة والشفقة واحترام النظام اتجاه الاخرين وهذا هو الجهل بعينه ؛ فالأمية ظاهرة ليس لها علاقة بالجهل، فعدم مقدرة الانسان على النطق بالحروف لا يعني أميته وجهله، فالمعروف ان القراءة والتعلم طريقة ميكانيكة مكتسبة وليست نشاطاً عقلياً والعجز عن القراءة انما هو افتقار الى القدرة الميكانيكية وليس اختلالاً او افتقار الى نشاط عقلي، لهذا يجد المفسرون لكلمة الجهل إن صاحبها يعد خطرا فتاكاً وآفة تدمر المجتمعات عندما يسيطر عليها وينتشر فيها؛ فالجاهل لا يمكن إنقاذه قط ؛ فهو في أكثر الأحيان يعرف الصواب عن كل شيء، والأشياء الصغيرة التي لا يعرف عنها الصواب يعلقها في عنق الغيب ..
ولهذا فقد دأب العلماء والمصلحون والمثقفون من التحذير منه والوقع في شباكه ولمثله فقد أشار المحقق الصرخي في بحثه القيم (الاستعداد لنصرة الإمام المعصوم عليه السلام )من(بحوث السلسلة الذهبية في المسيرة المهدوية) قائلاً(..الجهل هو السبب الرئيس في التهافت في سلوك الإنسان وإعراضه عن كل أمر جاد يحدد مصيره في الحياتين الدنيوية و الأخروية فيدخل في سفاسف الأمور ومنكراتها فيرتكب المعاصي والموبقات ويكون عبد للشيطان , ولو عرف الإنسان ووعى حقيقة تلك المعاصي والموبقات والشهوات الشيطانية , وعلم ما هي أضرارها وتبعاتها الشخصية والاجتماعية في الدنيا والآخرة ,لولى منها فرارا ..)
وعلى العكس من ذلك نرى أعداء الأمة وأعداء الإنسانية سعوا جاهدين لتأسيس ونشر الجهل بين المجتمعات لتعلوا كفتهم ويهيمنوا عليها ويعبثوا بمقدراتها لهذا حذر الصرخي من دور المستعمرين في تفعيل هذه الظاهرة في مجتمعاتنا بقوله { ... لقد شيد الاستعمار اليهودي والصليبي أسس وأركان الجهل في قلوب نفوس الكثير وأزاح العلم والتعاليم الإسلامية عن قلوب الناس وأذهانهم فأصبح المسلم يتحلى بالجهل وهو امن ومفتخر فانتشر وساد في المجتمع الانحطاط الروحي والأخلاقي ...}
والمشكلة التي نحن فيها أن كل مخلوق يعتقد جازما أنه يعرف، وهذه طبيعة النكتة المريعة، فالجهل لا يملك سوى علاج واحد اسمه المعرفة، ولكن العارفين في أغلب الأحيان هم السادة الجهلاء ؛ لإن كل مقاييس الإنسان الجاهل عاجزة عن إدراك الأصل، وهو يبذل جهده للقيام بتأدية واجبه بقدر ما يعرف.
ـــــــــــ
هيام الكناني