الإمام الصادق "عليه السلام" صرخةٌ جريئةٌ تُعالِج الإنحراف الفكري بالعقل المحقق الصرخي إنموذجاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونحن على أعتاب ذكرى إستشهاد مؤسس النهضة الفكرية والعلمية الإمام الصادق "عليه السلام" نحاول قدر الإمكان أن نأخذ فكرة يسيرة قي طريقة تعامله مع الإنحرافات الفكرية التي سادت أنذاك أوساط الدولة الإسلامية وخاصة بعد أن تعرضّت الدولة إلى العديد من الإنشقاقات والإنقسامات الداخلية ؛ حيث عايش تلك الفترة نهاية الدولة الاموية وبداية دولة بني العباس إذ عزم الإمام الصادق "عليه السلام" على إصلاح الاُمة من خلال وضع مخططه الكبير ، فقبل أن يباشر الإمام بتنفيذ مشروعه قد لاحظ عدة مظاهر، قد سادت واقع الاُمة ذلك العصر الذي مُلئ بالمتراكمات المتناقضة التي خلفتها السياسات السابقة، ورمت بثقلها البائس في قلب هذه المرحلة العصيبة من حياة الاُمة ، في الوقت الذي يمثل خلّص أصحاب أهل البيت في وسط الاُمة عدداً يسيراً، وقد صرّح "عليه السلام" بحجم معاناته، حيث الكثرة من الناس قد خذلتهم وجهلت حقهم،
خلاصة الأمر هناك اهتزاز وإضطراب عمّ الثقافة والعلم والعقيدة والإجتماع. وكل هذه الظواهر انتجت لنا ضميرًا نفسيًا مزدوجًا يائسًا من الإصلاح، يبحث عن بديل يتقلب في خياراته وقناعاته، لا يمتلك معيارًا ثابتًا يهديه للصواب وتراه مستجيبًا للخطاب المتناقض و يتأثر بالطارئ، فهو واقع ينذر بالعاصفة والإنهيار، والأخطر من ذلك يُنبئ بموت الحضارة الناشئة،
وعندها تفحص الإمام "عليه السلام" بعينه الإلهية الثاقبة واقع الاُمة، ولاحظ حاضرها بدقة وما ينبئ عن مستقبل خطير، اُمة تتقاسمها ولاءات سياسية تسلحت برؤى عقائدية، تخندقت ورسمت لها أهدافًا و وضعت لها حدودًا وفواصل وسواتر حديدية مع خصومها; وعمدت إلى توظيف وجلب الأفكار وإستيرادها من أجل تقوية معتقداتها السياسية، وتخرّج من مدارسها جيل ولّد قيادات، ضاعفت المحنة بجلب عناصر فكرية خبيثة نثرت عليها مساحيق إسلامية، ورتّشتها بديكور زائف ،لإقناع دعاتها من أجل بقائها صامدة; لئلا تذوب في هذا المعترك الصاخب، و وظفت الآيات القرآنية والحديث الشريف لصالحها فأقتطعت وأختارت وأوّلت ما يناسبها، ورمت عرض الحائط ما يخالفها، ووظّف الغلاة أفكارًا غريبة لا صلة لها بالتوحيد، وقالت بوجود وسائط وعقول سماوية، تتوسط بين الله والعالم، وتتخذ من النجوم والكواكب مطايا لها. مما دعا إمامنا الصادق "عليه السلام" إلى مواجهة هذه الحياة التي ملؤها الإنحراف والإجحاف، و التعدي، و الظلم، مواجهة علمية، أدبية، حوارية، قائمة على أسس العقل و المنطق و الكتاب و السنة ، و حارب الإمام الصادق "عليه السلام" المذاهب المنحرفة بإظهاره سُنة و سيرة النبي"صلى الله عليه وآله " و سعى لتأصيلها في القواعد الشيعية بكل قوة حتى إستطاع أن يحفظ هذا الدين من الإنحرافات و البدع ،وأخذ على عاتقه تربية العلماء وجماهير الأمة علی مقاطعة الحکام الظلمة و مقاومتهم عن طريق نشر الوعي العقائدي والسياسي والتفقه في أحکام الشريعة ومفاهيمها ويثبت لهم المعالم والأسس الشرعية والواضحة
وهذا ما أكده المرجع الصرخي في المحاضرة الخامسة عشر من بحثه الدولة المارقة بأن النعمان قد أثبت حقيقة أعلمية الإمام الصادق من خلال إشارتهِ الى فضل الإمام الصادق "عليه السلام" عليه بأخذ العلم :
( قال الآلوسي: {{هذا أبو حنيفة (رضي الله تعالى عنه) وهو بين أهل السنة، كان يفتخر ويقول بأفصح لسان: {لولا السنتان لهلك النعمان}، يريد السنتين اللتين صحَبَ فيها (لأخذ العلم) الإمامَ جعفر الصادق (عليه السلام)، وقد قال غير واحد مِن الأجلّة: إنّه أخذ العلم والطريقة مِن هذا الإمام، ومِن أبيه الإمام محمد الباقر، ومِن عمّه زيد بن علي بن الحسين (رضي الله تعالى عنهم وعليهم السلام)}} صب العذاب على مَن سب الأصحاب: الآلوسي:157. )
واضاف المحقق الصرخي ان ائمة المذاهب تتلمذوا على يد الأمام الصادق عليه السلام : ( د- قال العلاّمة عبد الحليم الجنيدي في كتابه (الإمام جعفر الصادق 162 {{انقطع أبو حنيفة إلى مجالس الإمام [أي الصادق (عليه السلام)] طوال عامين قضاهما بالمدينة، وفيهما يقول: {لولا العامان لهلك النعمان}، وكان لا يخاطب صاحب المجلس إلاّ بقوله: {جعلت فداك يا ابن بنت رسول اللّه}، وقال في ص 162 : ولئن كان مجدًا لمالك أن يكون أكبر أشياخ الشافعي، أو أن يكون الشافعي أكبر أساتذة ابن حنبل، أو مجدًا للتلميذين أن يتَتَلمَذا لشيخيهما هذين؛ إنّ التلمذة للإمام الصادق (عليه السلام) قد سَربَلَت بالمجد فقه المذاهب الأربعة لأهل السنة، أمّا الإمام الصادق، فمجده لا يقبل الزيادة ولا النقصان، فالإمام مبلّغ للناس كافة علم جدّه (عليه وعلى آله الصلاة والسّلام)...}}الإمام الصادق: الجنيدي (عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو مجمع الفقه الإسلامي (المؤتمر الإسلامي) بجدة)
والذي يتابع منهج الإمام "عليه السلام"، ومهمته العلمية يکتشف أن المحقق الصرخي يسير بسيرة الإمام الصادق حيث کان الإمام يستهدف بعمله ومدرسته اولًا- حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية الإلحادیة والمقولات الضآلة، کالزنادقة والغلو والتأويلات الإعتقادية التي لاتنسجم وعقيدة التوحيد.
ثانيا- نشر الإسلام وتوسيع دائرة الفقه والتشريع وتثبيت معالمها، وحفظ أصالتها
وعلى نفس النهج سار المحقق الصرخي الحسني في منهجه الفكري وهو يُعالج الإنحرافات الإلحادية التي تشوب الأمة الإسلامية على أسس عقلية أخلاقية شرعية حتى كشف زيف الإدعاءات والإفتراءات التي تطرأ في كل حين وحين ودحضها ببحوث تارة عقائدية وتارة تأريخية ما جعلت المعترضين والمعاندين يقفون مذهولون من دقة تلك البحوث وصحة اسانيدها والتأكيد المستمر على أحقية منهج آل الرسول وصحة طريقهم ونهجهم فهم الأقرب إلى الرسول فهمًا وعلمًا واخلاقًا وهم الأعلم بالأحكام الشرعية والسنة النبوية .
هيام الكناني