التوازن بين ما يتعلق بالدنيا وما يتعلق بالآخرة
هيام الكناني
الحياة الانسانية الدنيوية بكل مايعتريها من آفات وتقلبات بالخير أو الشر , اليسر أو العسر لايمكن أن ترضى أو تقتنع الا اذا كان لها ُبعداً من ورائها ؛ يثيب ويُعاقب يُصحّح ويعدل وهكذا ؛ ولا يمكن للبشر أن يكونوا بشراً دون خوض التجارب والخضوع للاختبارات الالهية التي تكشف الغث من الثمين وتكون تمحيصاً الهياً للخروج من ظلمات الجاهلية المعاصرة (الجاهلية الثانية) إلى نور التكامل المعرفي بذات الله وبشريعته..مما يعني لابد من وجود قيم وسطية بين كل شيء بين الأفراط والتفريط ؛ ومن هنا جاء موقف الأسلام تجاه الناس جميعاً في الأخذ بالاشياء بأوسطها والتوازن فيها فمثلاً القران يشير الى أن (المال والبنون زينة الحياة الدنيا )
فالمال شيء جميل لكن الاجمل توظيفه ايجابيا في خدمة الانسان والمجتمع، وبالتالي لايكون عبئاً بل يصبح مفتاحاً للتفاعل الإجتماعي، والإعتناء بالأولاد وتربيتهم سيعني تشكيل لبنات صالحة في البناء الاجتماعي...
وعليه فأن التوافق والتوازن في أمور الحياة وملذاتها هي مفتاح وطريق خيرووسيلة لنيل الاخرة التي هي الغاية الاسمى ؛ ليس صحيحاً أن ينكفأ الانسان عن الدنيا ويزوي بنفسه بجو من العبادة والذكر بما يجعله يعطل حياته برمتها او يفعل العكس يعيش في جو الدنيا وملذاتها ويترك الاخرة ؛ فتزكية النفس بالطاعات تعني تسامياً معنوياً وماديا ًبها، كما تعني الارتقاء بالنفس من حالة الانحطاط الدنيوي للتعالي الالهي ولاتعني ان يبتعد الانسان عن ملذات الدنيا بل ان يوفق فيما بينها لتكون زاداً للاخرة ..
فالرحيل إلى دار الآخرة يحتاج إلى زاد ومؤنة يجمع من دار الدنيا , فالعمل بالدنيا هو زاد الآخرة , أن كان جيدا فقد نفع من تزود به , وان كان سيئا فقد عاد بالسوء على من تزود به ؛ ولعل اجمل وصف قرأته وأنا اطالع كتاب الرحيل الى الاخرة للباحث والمحقق الصرخي الحسني وهو يبين التوازن في عمل الإنسان بين الدنيا والآخرة قائلا:({ ... الإنشداد و الارتباط و التعلق بالدنيا و زخرفها من الترابيات و العنصريات من غريزة الإنسان لأنه مخلوق منها، فيحب و يرغب في جمع ما يؤمل البقاء، و يطلب و يسعى للحصول على ما يكفيه في حياته، و مثل هذا الطموح و الأمل ليس فيه بأس فيما إذا كان السعي لتحقيقه من اجل الخير و الصلاح و السعادة للفرد و المجتمع في الدنيا و الآخرة طبقاً للتعاليم الإسلامية.
أما إذا كان ذلك الطموح و الأمل من أجل توفير الرغبات الشخصية المادية بصورة مجردة عن الارتباط بالخالق و المنعم و المعبود المطلق، و مجردة عن الارتباط بأخيه الإنسان و بعيدة عن تحقيق الألفة و الأمان في المجتمع الإنساني، , فمثل هذا الأمل والطموح داء عضال يوصل الإنسان إلى العمى والضلال وقطع دابر التفكير المنطقي العلمي الصحيح بسبب تفاقم المرض القلبي وتراكم ظلمته لارتكاب المعاصي والرذائل , فيحصل الرّين والطبع على القلب فلا مجال للهداية والصلاح ..)
نعم بلا شك أن أتباع الهوى يعتبر أحدى الضلالات التي تحول بين الانسان ومعرفة الله، مما سيعني خروجه من مدركات العقل الواعي ، ليسقط في سلبية الهوى ؛ وأما ما جاء في القرآن من ذم للدنيا فهو لتأديب المسرفين وكبح جماح المفرطين .