عمائم زائفة و قُضاة ظَلَمَة
بقلم أ./ محمد يوسف عدس
(1)
كان "كولِن باول" وزير الخارجية الأمريكي فى إدارة بوش الصغير يحلم بأن يختفى صوت الأذان من سماء مصر .. وصرَّح أكثر من مرة قائلا: "إن المسلمين ينتهكون حقوق الإنسان فى اليوم خمس مرات بارتفاع صوت الأذان .. حيث لا يريد الآخرون سماعه...! ومرت الأيام والأعوام حتى جاء العسكر فسطوا على السلطة الشرعية بالقوة والغدر، وفى ركابهم جيئ بوزارة للأوقاف تحقق لـ"كولن باول" حلمه الجنوني بجرّة قلم.. نعم .. أيها السادة فقد قُدّر على هذا الجيل أن يشهد أعجب العجائب وأفدح المصائب وأبشع الجرائم .. كلها بجرّة قلم من طاغية فاق فرعون فى تألّهه ووجد من الشعب من يسجد له ويسعى جاهدًا لرضائه وتحقيق أهوائه مهما بلغت من الشطط والجنون..
ومن بين أدواته فى فرض جبروته على عباد الله المسلمين قلعة الأوقاف الانقلابية، فقد جاء لها بعمائم صنعها على عينين من مواد ثلاثة : التنطّع والفسق والكذب على دين الله .. وهكذا رأينا طغمة من أصحاب العمائم فاقت فى نفاقها وتحريفها للدين خنازير بنى إسرائيل وقرودهم ، الذين عصوا الله وحرَّفوا كتابه ؛ جعلوه قراطيس فأظهروا بعضها وأخفوا بعضها الآخر؛ تلبيسًا على الناس وخدمة لأهوائهم وشهواتهم .. سار أصحاب عمائم الأوقاف على النهج نفسه ، ولكنهم لم يستطيعوا تحريف القرآن لأن الله تعهد بحفظه إلى يوم القيامة .. فلجأوا إلى تفسيراتهم المنحرفة ، فطمسوا الحق وزينوا الباطل للناس ونشروا الفساد فى الأرض بأكثر مما فعل اليهود والصليبيون ..
لم يتورّعوا عن التّتَرُّس بذرائع وادعاءات مفتراة ؛ فباسم الأمن الوطني ووحدة طوائف الأمة .. وغيرها من مزاعم كاذبة ، أغلقوا آلاف المساجد وضيقوا على المسلمين فى أداء شعائرهم ، وأخمدوا صوت الأذان فى المساجد ، وزرعوا فيها جواسيس للمخابرات ، ووضعوا على منابرها شيوخا من أتباع أمن الدولة، حدّدوا لهم موضاعات خطبة الجمعة .. حتى لا تخرج عن الثناء والحمد للطاغيىة .. وبرّروا للانقلاب جرائمه ضد الاسلام والمسلمين .. تكريسًا لعبادة الفرعو الجديد من دون الله.
لم يكتفِ مشايخ قلعة الأوقاف بذلك ؛ بل امتدت حروبهم إلى الجمعيات الإسلامية ؛ إذ يطالبونها اليوم بتغيير أسمائها ؛ عِلْمًا بأن بعضها يحمل هذه الأسماء منذ أكثر من مائة عام ؛ ولكن لأنها أسماء توحي بانتمائها للإسلام.. مما لا يطيقه كبير الزنادقة وزبانيته ، قرر مشايخ الأوقاف ضرورة تغيير هذه الأسماء التى تشي بخصوصية إسلامية مثل: الجمعية الشرعية، و"أنصار السنة".. بل شملت الأمثلة جمعية "دعوة الحق" . ولو كان اسمها "دعوة الباطل" ما لحقتها لعنة وزارة أوقاف الانقلاب ..
قلعة أوقاف الانقلاب العسكري تدعو إلى تبني أسماء لا توحي بتمييزٍ شرعيّ ، قد يسهم –بحسب زعمها- في الفرقة ويمزّق الوحدة الوطنية .. وكأن كلمات: الشريعة والسنة والحق كانت سببا فى الفرقة الوطنية بين الناس خلال الوجود الإسلام فى مصر عَبْرَ أربعة عشر قرنا من الزمن ، حتى جاء كبير الأبالسة وكبير المنافقين من كهنته ليعيد لشعب مصر وحدته الفرعونية الخالدة.
ثم يبلغ التضليل مداه فى عبارة فارغة يختم بها كبير الكهنة بيانه حيث يشدد على ضرورة مراعاة ذلك.. لماذا ياكبير الأفَّاقين..؟! - والإجابة المفضوحة هي: "حتى لا تُحمل بعض أخطائنا سواء أكانت فردية أم جماعية على إسلامنا السمح العظيم، الذي لم يعد يحتمل أي أخطاء أخرى".. فياله من نفاق وياله من فجور مفضوح..!.
وكأن كبير كهنة فرعون أحرص على الاسلام [العظيم] من المسلمين الحقيقيين الذين لم يغيّروا انتماءهم ولم تفسد ضمائرهم ولم يخضعوا لسطوة الطاغية الغادر.. ويرفضون المهانة والاستسلام للطاغوت ويتمسكون بـ"لاإله إلا الله" ولا يعبدون أحدًا سواه ..
(٢)
ارتفعت آمال الناس -وكنت منهم- إلى عنان السماء مع انطلاق ثورة يناير 2011م ونجاحها فى إزاحة مبارك ورجال نظامه من السلطة.. ووضعهم فى السجون لمحاكمتهم .. استجابة لمطالب الشعب الثائر.. واعتقد الجميع أن عهود الظلم والفساد ولّت إلى غير رجعة، وأن القضاء العادل سوف يعاقبُ كبار الفاسدين واللصوص؛ الذين نهبوا ثروة الشعب وأفسدوا حياته وباعوا ممتلكاته للأجانب بتراب الفلوس .. وأنه سيقتصّ من السفّاحين الذين قتلوا الثوار وأصابوهم بعاهات مستديمة أثناء الثورة الشعبية السلمية.. و أنه سيعيد الحقوق إلى أصحابها.. فإذا بنا نكتشف أن بعضًا من ذيول القضاء الفاسد قد انحازوا للثورة المضادة وبرّأوا جميع القتلة واللصوص والفاسدين من أعداء الشعب و أعداء ثورته..
تابعت رصدى لعيّنات من هؤلاء القضاة الفاسدين لم أكن أتصوّر وجودهم .. فروّعنى مدى انحطاطهم وفقدانهم لأبسط خصائص الأهلية والشرف ، بانحيازهم وخضوعهم الذليل للعصابة الانقلابية ؛ تمادوا فى إرضاء العسكر ، وبالغوا فى نفاقهم ليتستّروا بذلك على مشاركتهم فى جرائم النهب ، وعلى فضائحهم المسطورة فى سجل المخابرات المصرية ، وليحافظوا على امتيازات غير شرعية اكتسبوها بغير حقها رشوةً -وعلى حساب الشعب الجائع المقهور- عبر ثلاثة عقود من حكم الدكتاتور الفاسد ..
هؤلاء القضاة هم الذين حكموا ببراءة مبارك وأعوانه الذين سفكوا دماء الشعب وأذلُّوه وسرقوا أمواله وبدّدوا ثرواته، وقاموا بتهريبها إلى حسابات خاصة خارج مصر..
ومن تجلِّيات نفاقهم الإسراف المفرط فى الأحكام بالسجن والغرامات الفاحشة والإعدام -بلا سند من قانون- على الأبرياء والشرفاء من رافضى الانقلاب.. الذين أصروا على استرداد حريتهم وإرادتهم المهدرة وكرامتهم وحقوقهم الإنسانية المنتهكة..
بهذا الموقف سقطت العدالة صريعة على يد قضاة جهنم ، الذين أصدروا حكمًا ضمنيًّا على على شعب مصر بأنه لا حق له في حياة حرةٍ كريمةٍ .. وأنه لا يستحق أن ينعم بثرواته .. ولا حق له في محاسبة من أجرم في حقه ، ولا القصاص العادل ممن قتل شهداءه..
لقد حكم قضاة جهنم على شعب مصر بأنه لا خيار له إلا أن يعيش ذليلًا تحت أقدام العصابة العسكرية .. أو يهجر وطنه ليحيا طريدًا مشرَّدًا أو يُدْفن شبه ميت فى أقبية السجون محروما حتى من حقوق المجرمين وأرباب السوابق واللصوص.
لك الله يا أم الشهيد ويا زوجته ويا أخته ، ويا كل الثكالى وكل الأطفال الذين حرموا من آبائهم وأمهاتهم وأحبابهم ؛ إما برصاص العصابة الحاكمة أو ابتلعتهم سجون الطغاة .. ويا كل من كان يحلم بالقصاص العادل .. لكم الله ؛ فقد اغتال قضاة السوء روح العدالة فى مصر .. ولْتفرح العصابة العسكرية المتحكِّمة فى رقبة الشعب المصري..
فإن كان لى من كلمة أخيرة فإننى أقول لهم واثقًا من عدالة السماء:
إضحكوا قليلا فإن أمامكم بكاء كثيرا .. هذا وعد من الله للظّلمة المتجبّرين .. ولن يخلف الله وعده وهو القائل: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.. هذا جزاؤكم فى الآخرة الذى لا ينفى ولا يتعارض مع جزائكم العادل فى الدنيا ، فلن تفلتوا منه عندما يقيم لكم الشعب المنتصر-بإذن الله- محاكم الثورة فتعلّقكم على المشانق فى الميادين نفسها التى سقط فيها الشهداء مضرّجين بدمائهم الزكية .. ضحايا رصاص الغدر الانقلابي..