بروتوكولات حكماء العرب
البروتوكول الثاني:
هناك نقطتان أريد أن أثيرهما في بداية حديثي اليوم لكم ..
إن بعضا منكم ينظر إليّ كلصّ سرق بروتوكولات حكماء صهيون ثم نسج على منوالها .. لا تسألوني كيف عرفت .. وليس يزعجني اتهامكم .. لكن ما يزعجني هو جهلكم .. لقد ضربت لكم المثل في المحاضرة الماضية بكلمة "الماء" .. كنت أقصد أن تفهموا المثل كمجرد نموذج ينطبق على ما عداه .. لا أن تقتصروا عليه .. لشد ما يزعجني الأفق المحدود .. وافتقاركم للخيال والقياس..إنني أغفر كل شيء إلا الغباء..ولكن دعوني في البداية أروي لكم هذه الطرفة.. إذ يقال أن الخليفة الروماني في واشنطن دعا أمراءه في بلاد العرب إلى مؤتمر للقمة.. وهناك قال لهم أن بلاده أعطتهم أكثر مما يستحقون وفوق ما يطلبون لكن أوضاعهم استمرت تسوء لا لشيء إلا بسبب غبائهم وغباء حاشيتهم.. وقال لهم أن سر تقدم بلاده إنما يعود إلى ذكاء وزيره الأول.. ونادي على وزيره وسأله:
- أجب يا ريتشارد: شخص هو ابن أمك وأبيك لكنه ليس بأختك ولا بأخيك.. فمن هو؟
وأجاب الوزير ببساطة وتلقائية على الفور:
- أنا نفسي أيها الخليفة.. أنا ابن أمي وأبي ولست أختي ولا أخي..
وعاد حكام العرب إلي بلادهم يملأهم الخزي بعد التوبيخ والتقريع.. وبمجرد أن وصل كل منهم إلى بلاده استدعى الوزير الأول على الفور وسأله نفس السؤال:
- شخص هو ابن أمك وأبيك لكنه ليس بأختك ولا بأخيك.. فمن هو؟
واختلفت الإجابات وعجز الوزير الأول في غالبية الإمارات عن الإجابة لكن أكبرهم سنا أجاب كما أجاب ريتشارد:
- أنا نفسي يا جلالة الملك..
- أنا نفسي يا فخامة الرئيس..
- أنا نفسي يا سمو الأمير..
وغضب كل ملك وكل رئيس وكل أمير على وزيره صارخا فيه:
- إجابة خاطئة أيها الغبي وقد صدق الخليفة أنكم بغبائكم سر تخلف بلادنا..
وسأل الوزراء:
- فما هي الإجابة الصحيحة إذن..
واتفقت إجابات حكام العرب جميعا:
- نعم .. إجابة خاطئة أيها الغبي.. والإجابة الصحيحة أن ابن أمك وأبيك الذي ليس بأختك ولا أخيك إنما هو مستر ريتشارد بنفسه.. الوزير الأول للخليفة.. ولقد أقر هو نفسه بذلك.
مالكم لا تضحكون يا جلالة الجلالات وفخامة الفخامات وسمو الأمراء.. ؟ هل عجزتم حتى عن فهم الطرفة؟ ما أقصده أن الحكام الأغبياء لم يفهموا علم القياس.. أخشى أن تفعلوا ذلك بالأمثلة التي أضربها لكم.. أن تعتبروا كل مثل حكاية تنتهي مع آخر حروفها.. وليس هذا ما أقصد بالطبع.. بل إنني أضرب لكم الأمثال كنماذج تفسر لكم ما عداها.
نعم.. إن بعضا منكم قال لندمائه أنني لص سرق بروتوكولات حكماء صهيون ثم نسج على منوالها.. ليس يهمني وصفكم في حد ذاته.. لكن ما يهمني وما ما يزعجني هو استعمالكم لمعنى كلمة لص .. فالكلمات كما وضحت لكم لا معنى لها .. ونحن نعطيها المعنى الذي نريده لها .. الكلمة كالحجر .. والأحجار التي بنت أفخر المنتجعات هي نفسها الأحجار التي بنت أقسى المعتقلات .. الفارق هنا يكمن في إرادة من بنى .. في تخطيطه ومشروعه .. في التصور الشامل الذي يجعله يتخيل قبل أن يضع الحجر الأول الشكل النهائي للمشروع..فيرى بأول رأيه آخر الأمر.. كلمة اللص إذن في مشروعنا لا تعنى من سرق حقا لآخر .. بل تعنى الآخر.. نعم .. تعنى المسروق الذي يطالب بحقه دون أن يملك من القوة ما يغلبنا به على أمرنا .. يجب أن تفهموا ما أقول وإلا ما كنتم جديرين بمناصبكم ..
هل فهمتم .. ألمح في أعينكم عدم الفهم .. سوف أحاول أن أشرح لكم الأمر بطريقة أخرى .. فنحن على خلاف ما نتشدق به وندعيه لا نعتبر الجريمة جريمة بمجرد ارتكابها بل نعدها كذلك إذا أمكن اصطياد مرتكبها و إقامة الدليل عليه إذا استطاع الضحية إثباتها، افهموا أن مرتكب الجريمة في هذه الحالة لا يعاقب بسبب ارتكابه للجريمة بل بسبب غبائه حيث لم يستطع طمس الأدلة خلفه أو إسناد الجريمة إلى غيره أو سحق خصومه الذين أثبتوا الجريمة عليه.. فإذا كان ذكاؤه بالقدر الكافي فلم يستطع الخصوم إثبات الجريمة عليه أو إن كانت أدلتهم غير كافية فلابد أن يعاقبوا بتهمة التشهير والادعاء الكاذب .. ولما كانت كل الأجهزة في أيدينا وكل الوسائل أيضا، فإننا سنستطيع بمنتهى السهولة أن نثبت عليهم ما نريد إثباته .. سنثبته بكل قوة .. بكل يقين .. ابتداء من المستندات الرسمية حتى وسائل الإعلام .. لقد نجحتم نجاحا هائلا في تقديم رجال ونساء الإعلام..إنني أضحك أحينا في دهشة وحبور عندما أكتشف براعتكم الناتجة من تطبيقكم لما أقول لكم.. حيث حولتم رجال الإعلام إلى قوادين ونساءه إلى عاهرات يتنافسون ويتنافسن على إمتاعكم دون أي مراعاة لأي شيء.. هذه طاقة جبارة وأعلم أنكم استثمرتموها لكن ليس للحد الأقصى.. إن كل أجهزة الدولة مكرسة لإثبات براءتكم من كل جريمة.. إنكم تستطيعون اختلاق الحكايات وتدبير الشهود وتزوير الوثائق واصطناع المستندات وحتى شرائط التسجيل بالصوت وبالصورة.. نعم.. الكذب ليس عيبا وعليكم أن تمارسوه بقدر ما يفيد وكذلك اللصوصية وكافة الموبقات الأخرى.. إن عليكم مهمة شاقة كي تكونوا متحضرين.. عليكم أن تخلعوا تراث عشرة آلاف عام من الأباطيل التي شوهت وجدانكم وبلبلت أفكاركم.. عليكم أن تقاطعوا هذا كله وتنقطعوا عنه.. وأن تبدءوا من جديد.. وعليكم أن تدركوا أن الطبيعة هي مثلنا الأعلى وأستاذنا الوحيد.. لا تصرحوا أبدا بذلك لكن مارسوه دائما.. تعلموا من الطبيعة.. هل يتهم الأسد الذي يفترس غزالا بالإجرام.. أو الأفعى التي تسرق بيض الدجاج باللصوصية.. وهل لذلك أي عقاب.. إلا إذا افترضنا أن الغزال يستطيع أن يحصل على قوة أسطورية تجعله يقوم بعقاب الأسد بنفسه.. أو يدفع الدجاجة وهي تدافع عن بيضها وأفراخها لنقر عين الحية الرقطاء.. تلك أشياء لا تحدث عادة.. لكنها أحيانا نادرة تحدث..ربما نتميز عن عالم الحيوان بميزة.. ففي مثل الأسد والغزال لا يستطيع حيوان ولا إنسان أن يدين الغزال إذا ما استطاع أن يمزق الأسد إربا.. ولكننا على المستوى الإنساني نستطيع بوسائلنا فوق العادية أن نجرم هذا العمل و أن ندمغه بالوحشية والإرهاب.. فلتعلموا ذلك ولتستغلوه حتى أقصاه..إننا نخلق حقائقنا بأيدينا، ولا حق إلا ما نراه حقا ولا باطل إلا ما نراه باطلا .. وبهذا فإننا نسمي ما نشاء بطولة وما نشاء خيانة .. إلا أنني أحذركم وأنبهكم من أن هذه المسميات غير ثابتة ولا هي مستقرة .. فبطولة اليوم قد تكون في الغد خيانة وخيانة الغد قد تكون أول أمس أو بعد غد بطولة .. هل تريدون توضيحا أكثر .. سوف أضرب لكم مثلا من أنفسكم .. إذ يحكى أن ملكا عادلا ( لا تبتسموا .. ففي أحيان نادرة جدا يمكن أن يوجد ملك عادل .. إنه الاستثناء الذي يثبت القاعدة) وكان شعب هذا الملك يكاد يعبده .. وكان أي معارض للملك العادل يلقى به في السجن على الفور .. ثم انقلبت الأمور .. وأصبح الباطن ظاهرا والظاهر باطنا وقبض على الملك العادل وأودع السجن وصدرت الأوامر بإلقاء القبض على كل من يمتدحه .. وذات يوم اجتمع في أحد السجون ثلاثة وأخذ كل واحد منهم يعترف بجريمته التي سجنوه من أجلها .. فقال الأول:
- كنت أهاجم الملك العادل ..
وقال الثاني:
- كنت أدافع عن الملك العادل ..
وتلكأ الثالث قليلا ليقول ..
- أما أنا .. فقد قبضوا عليّ لأنني أنا الملك العادل نفسه!.
لا .. لا .. لا .. لا تضحكوا .. فإن معنى ضحككم أنكم لم تفهموا ما أعنيه .. فليس ما قلته طرفة .. بل هو يمثل جوهر الحقيقة عندنا فنحن يمكن أن ندين الشيء وضده وأن نحبس النظرية نفسها .. هل فهمتم؟!.
النقطة الثانية هي انزعاج بعضكم ودهشة بعضكم الآخر عندما وصفت الأجنبي عموما والغرب خاصة- وسوف أستعمل مترادفات عديدة تؤدي إلى نفس المعنى- بأنه عدوكم .. فهل كنتم تظنونه صديقا؟! .. قولوا ما شئتم لرعيتكم لكن افهموا الحقيقة المجردة وإلا هلكتم .. إنني مذهول كيف استطاع من يفكر بطريقتكم هذه أن يستمر في سدّة الحكم .. نعم .. الغرب عدوكم .. أخطر أعدائكم .. أم حسبتم أنكم ما دمتم قد أفرطتم في تقليده ولبستم لباسه وتحدثتم بلسانه انفصلتم بالكامل عن شعوبكم وأصبحتم منه .. لا .. سوف يقابلونكم في الغرب مرحبين متهللين.. ولكنه ليس تهلل الصديق لصديقه .. بل تهلل الداعر لقواد ساق إليه بغيته أو الصياد لكلب صيد حمل إليه فريسته أو على أحسن الفروض تهلل الإنسان لقرد يحاول أن يقلده فيلبس حلة ورباط عنق ويضع على عينيه عوينات ويدخن سيجارا ويشرب كأسا من الخمر ويراقص النساء .. هل يمكن للقرد إذا ما فعل كل هذا وأكثر منه أن يصبح إنسانا؟ .. هكذا ينظر ولاة الأمر هناك إليكم .. إنهم ينظرون إليكم كمجرد قوادين يسهلون متعتهم وكلاب صيد تحمل لهم فرائسهم وقرود تقطف لهم الثمار من أماكن خطرة فيكفونهم شر المخاطرة بأنفسهم .. ولقد كانت أدبياتهم وفلسفاتهم تتحدث عنكم عندما قالوا:
"سنختار من بين العامة رؤساء إداريين ممن لهم ميول العبيد، ولن يكونوا مدربين على فن الحكم، ولذلك سيكون من اليسير أن يمسخوا قطع شطرنج ضمن لعبتنا" ..
يجب أن تفهموا هذه النقطة وإلا هلكتم .. هل تذكرون ما قاله القائد الأعجمي عن زميله القائد العربي في الحرب الأخيرة التي كنتم فيها حلفاءهم .. هل وعيتم كمّ الازدراء والاحتقار الذي يواجهونكم بها .. قال القائد الغربي:
" كانت أكبر مشكلة واجهتني أثناء الحرب هي أن أتخلص من الأسئلة الساذجة الغبية لزميلي في القيادة- القائد العربي – .. والذي لم يكن يعرف الفارق بين الواقي الذكرى ومدفع الكلاشينكوف .. وإن خبراته القتالية بالدبابات والطائرات لا تتعدى خبرات الطفولة عندما كان يلعب بلعب تقلد الدبابات والطائرات .. " ..
نعم .. لا يذكركم الأجنبي ولا يذكر شعوبكم إلا مقترنين بألفاظ تتفاوت في حدتها بدءا من "ضحل"، "محدود"، "مخلّ"، "بسيط"، و"ساذج" و"مقزز" و"عاجز"و"بدائي" و"متخلف" و"ظلامي" و"رجعي" و"ضعيف" و"مارق"، وليس نهاية بـ "جاهل"، "عميل"، " انتهازي"، "صفيق"، و"وقح" وإرهابي" و"مجرم" و"محور الشر".
نحن لا نتكلم عن سباب يمكن أن يتم الاعتذار عنه بجلسة "تبويس" اللحى، بل نتكلم عن فلسفة كاملة تؤكد الفرقة وعدم التكافؤ وأن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا، فلسفة ترسخ الفروق العرقية والجنسية التي تحسم بشكل نهائي أنه من المنطقي والطبيعي استعلاء الغرب على الشرق، إنهم يجندون لذلك كتابا كبارا وفلاسفة من الوزن الثقيل وليس حشرات وديدان كتلك التي تربونها حولكم وتسمونها كتابا، أو بالأحرى فهم لا يجندونهم، وإنما اقتضت نتائج التطور الفكري لمجتمع متجانس تغيرت مرجعياته أن تكون تلك هي القناعات الحقيقية للمفكر أو الفيلسوف، بل ربما يكون الأمر هناك على العكس منه في بلادكم، حيث يسير الحاكم خلف المفكر ليطبق نظرياته.
نعم، أكرر أن المثقف هناك ليس مجرد كلب صيد كالذي تطلقونه لتمزيق معارضيكم بالحق أو بالباطل عندما تشاءون، وضعية المفكر هناك تختلف مواكبة الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها أفكاره وتوجهاته، ويجب أن تستوعبوا ذلك جيدا، لأن المفكر هناك لا الجنرال هو عدوكم الأول في معركة هائلة لا تنتهي أبدا آخر ما يظهر فيها السلاح، معركة يدخلها الجميع حتى الشعراء، ويدخلها بالطبع الروائيون، والفلاسفة، والمنظرون السياسيون، والاقتصاديون، والإداريون الذين يبنون أعمالهم وأنشطتهم على هذا التمييز المسبق بين ما هو شرقي وما هو غربي. تتضافر جهود الجميع على ترسيخ هذه النظرة إليكم وإلى شعوبكم، انظروا إلى صوركم على سبيل المثال في أفلامهم، أو ما تكتب عنكم أقلامهم، حيث يطفح الاحتقار على الدوام بمبررات ومظاهر هيمنتهم عليكم، باستعمال السلاح ضد شعوبكم واعتبار ذلك أمرا طبيعيا وأخلاقيا ومبرَّرا فإذا مارد المستضعفون ولو كأفراد باستعمال السلاح أو حتى الحجارة -حين لا يوجد السلاح- كان فعلهم إجراما وإرهابا وغير مبرر .. هل تفهمون ما أقول؟ وهل تدركون تلك الرغبة العميقة عند الأجنبي في أن يبيدكم كالهنود الحمر، كان يود ذلك لكن طبيعة العصر لم تعد تسمح، ولكنه وقد عجز عن الإبادة عجز في نفس الوقت عن قمع مشاعره ضد شعوبكم، مشاعره التي تتفجر فيها رغبة عارمة في إخصائكم عقليا وروحيا وعلميا، لقد عجز عن إبادتكم كبشر، فلا مفر إذن من أن يهبط بكم من المستوى البشري إلى مستوى دون الحيوانات، لكي يبرر في النهاية حقه في ذبحكم ذبح السائمة وفي السيطرة عليكم وعلى ثرواتكم، وهناك، حيث بلغت الثقافة ذروتها والتقدم أقصاه، لا تتشوش رؤاهم بأي كوابح أخلاقية، إن الناس غير متساوين، وذلك جزء من طبيعية الحياة وقوانينها، فمثلما تدور الأرض حول الشمس يجب على الضعيف أن يدور حول القوي وأن يتبعه؛ فخضوعكم للأقوى ودونيتكم أمامه هي مسألة عادية من قوانين الطبيعة أستاذنا الأكبر ومعلمنا الوحيد، مسألة يجب تقبلها، بل يجب عدم الشعور بها، والعماء عن ملاحظتها.
إنني أنبهكم مرة أخرى أنني لا أحدثكم عن صواب وخطأ ولا عن حق وباطل ولا عن صدق وكذب، وبالطبع لا أتحدث عن حلال وحرام . أحدثكم عن الواقع المجرد كما هو لكي تستطيعوا التعامل معه. إن بعض معارضيكم يتعبون أنفسهم كثيرا في محاولة تعقب ما يسمونه أخطاء أو أكاذيب في المنظومة الفكرية الغربية عن شعوبكم، وهم سذج جدا، يرون القذى ولا يرون الخشبة، ما زالوا يرون الأشياء بمفهوم الصدق والكذب، وهو مفهوم لا أحبه ولا أحترمه ولا أقره، ولا أستعمله هنا إلا لكي أبسط الأمر أمام عقول مجهدة كسولة لم تتعود على الغوص فيما خلف الظاهر لتسبر الأغوار، أقول لكم إن المنظومة الفكرية للأقوياء والمستكبرين كلها كذب، إنني أشعر بالاشمئزاز من نفسي وأنا أستعمل كلمة كذب، لكنني أصارحكم، بأنني أنظر إلى هذه المنظومة بإعجاب وانبهار لا يوصف أمام عمل إبداعي ليس له مثيل، أنتم تعرفون رأيي فيكم وفي شعوبكم، ولا يتسع المجال الآن للحديث عن ذلك، لكنني أتحدث عن هذه المنظومة الكبرى من الأكاذيب-مع تحفظي على كلمة أكاذيب- التي شارك في صياغتها مئات الملايين عبر مئات السنين كي يصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن من صورة خيالية لكم ولشعوبكم، صورة خيالية لا تكاد تمت للواقع بصلة، صورة خيالية تحكمت فيها نية مسبقة وتخطيط مسبق بأن تكونوا في هذه الصورة البشعة التي تبرر معاملتكم معاملة لا يرتضونها لحيواناتهم، وللوصول إلى هذه الصورة، كان على كل مؤسسات المجتمع أن تنسج نسيجها الفريد، كان على الأقلام أن تكتب، وعلى الصحف السيارة أن تنشر الفضائح، وعلى المجلات المحترمة أن تنشر الأبحاث الموجهة، وعلى الجامعات والهيئات والندوات والتلفاز والمقالات واستقطاب العملاء واستكتاب المأجورين واستمالة أصحاب المصلحة أو الهوى أو أصحاب هذا الفكر كل أولئك لكي يصوغوا فكرة دونيتكم ودونية شعوبكم، كان عليهم أيضا أن يتلاعبوا بالبنوك والأموال وبأسعار صادراتكم ووارداتكم، فإذا فشلت هذه الوسائل كلها كان السلاح يتحرك، كان الهدف أن يبدو ضعف الضعفاء كبنية جوهرية غير قابلة للتبدل والتغيير، وكان الواجب دائما قمع أي محاولة لتغيير هذه الصورة الخيالية. نعم. أنا أعترف أن الصورة التي يقدمها المستكبرون والأقوياء عن الضعفاء ليست إلا عملا فنيا بارعا لا ينتمي للواقع، عمل فني كالشعر، الذي أعذبه أكذبه، إن الأقوياء المستكبرين هم الذين حددوا وفصلوا ومايزوا بين بنيتين تم تعريفهما على أنهما مستكبرون ومستضعفون، أو أقوياء وضعفاء، أو شمال وجنوب أو شرق وغرب، فكلها مترادفات تؤدي نفس المعنى، ولقد حرصوا على أن يكون هذا التمييز تمييزا نهائيا يتضمن تأكيد سيادة الأقوى على الأضعف، كائنا ما كان موقعه وجغرافيته. المهم أن تتشكل المعرفة الأكاديمية المصطنعة مصحوبة بالقوة العسكرية والسياسية، لتؤبد وتؤكد حالة الخصاء الوجودي للآخر، ليقبل الضعيف باستعلاء القوي عليه واستعباده له.
هل أدركتم الآن سر دهشتي لأنكم لم تفهموا أن بلاد الأقوياء في الغرب والشمال والشرق على هذه الدرجة من العداء لكم؟
نعم إنهم هناك ينظرون إليكم بمنتهى الاحتقار والازدراء .. إلا أنني أتوقف هنا لأؤكد أن المنظومة الفكرية للمستكبرين وإن كانت في جملتها وتوجهها تقدم صورة خيالية إلا أنها في ذات الوقت تحتوي على الكثير من الوقائع الحقيقية والصادقة والتي تساعدهم في حبك منظومتهم الفكرية، إن أي منظومة للكذب تنهار على الفور إن لم يوجد بها بعض الحقيقة. تنهار كما ينهار جدار رصت فيه الأحجار دون ملاط، الأحجار هي كتل الكذب، والملاط هو المادة اللاصقة التي تجعل من الأحجار المتناثرة المفككة جدارا صلبا، إن فساد الحكام والنخبة في بلادكم على سبيل المثال ليس خيالا، ولو أن أي واحد منكم كان هناك وعمل ما يعمله هنا لتكفل قانون الجنايات العادي بسجنه مدى حياته .. لكنهم هناك، حينما يتحدثون عن فساد حكمكم لا يفعلون ذلك كي تصلحوا الفساد أو لأجل أن تقللوا منه، على العكس، إنهم يذكّرونكم بأنهم يعرفون خبايا فسادكم، وأنهم رغم علمهم يصمتون، ولذلك مقابل: أن تعطوا لهم ما يريدون. تذكروا دائما ذلك .. وتذكروا أيضا أن هدفهم ليس فقط إقناع شعوبهم أنكم لا تستحقون المعاملة كبشر كي يقدموا لهم المبرر الأخلاقي لما يفعلونه بكم، إنهم يريدون أيضا أن تقتنعوا أنتم وشعوبكم بذلك، ولا أنكر – مع انبهاري- كم وكيف نجحوا في هذا الأمر، لدرجة أن الكثيرين جدا من رعاياكم يشعر بالخزي عندما يضطر لذكر جنسيته. إن بعضا منكم يحاول أن يهرب من هذا المصير التعس بأن ينضم إليهم في احتقارهم وازدرائهم لرعاياه، لكن: لا تتخيلوا أبدا أن إيمانكم بأفكارهم ونظرياتهم وفلسفاتهم سترفع من قدركم في أعينهم .. قد يصفقون لكم أحيانا وقد يعجبون بكم إعجاب مدرب القرد بما وصل إليه القرد من مهارة .. ولعلكم تتساءلون الآن عن جوهر علاقتهم بكم .. عما يربطهم بكم ويربطكم بهم هذا الرباط المتين على الرغم من عداوتهم التي شرحتها لكم على الفور .. أنا أقول لكم .. ما يربطهم بكم ويربطكم بهم هو عدو مشترك .. هذا العدو المشترك هو شعوبكم .. نعم .. هو شعوبكم! .. فكلاكما ينظر إلى هؤلاء الرعاع بخوف ورعب .. لأن أولئك الدهماء هم بأنفسهم من هددوا حضاراتهم ذات يوم وما زالوا يتوهمون أنهم يملكون البديل الأفضل .. لم يهددوها فقط .. بل لقد انتصروا عليها وكادوا يسحقونها .. هذه الشعوب ما لم تسحق .. ما لم تروض .. ما لم تزور إرادتها ويزيف وعيها فإنها تستطيع أن تنهض لتناوئ من جديد .. ولقد كانت تكاليف هذا السحق على الغرب أكثر مما يطيق .. ثم إن عمليات السحق نفسها كانت تلهب مشاعر الرعاع فيزداد بغضهم للمستكبرين وتحفزهم لهم .. كانت عمليات السحق تلك غير مضمونة ويمكن أن يفلت عيارها في أي وقت ليحدث ما ليس في الحسبان حين يستقوي الغزال على الأسد فيمزقه إربا إربا.. ثم إنهم – من يسمونهم بغض النظر عن الأسماء: المستكبرين- كانوا قادرين دائما على قتل الأجساد .. لكن الأفكار استعصت عليهم .. إن قتل الأجساد لم يكن غاية.. على العكس .. فهذه الأجساد هي التي تمثل الأيدي العاملة الرخيصة كما تمثل أسواقهم التي يبيعون فيها بضائعهم .. كان قتل الأجساد يروى حقدا قديما لكنه كان يزيد الأمور سوءا .. وقد وجدوا أنفسهم في حلقة مفرغة.. كلما قتلوا الأجساد أكثر كلما ترسخت الأفكار عند الرعاع أكثر .. وكلما ازداد القتل كان ذلك باعثا على مزيد من الرغبة في الثأر والانتقام من ناحية .. ومن الناحية الأخرى فإن ذلك القتل يغذي وجهة نظر القائلين منهم بأن الوحشية والهمجية والإرهاب صفات المستكبر لا صفات الشعوب المسحوقة المسكينة.. وسماته لا سماتهم .. وكلما بالغ في القتل كان ذلك دليلا عند الرعاع على صواب رأيهم .. بل وكانت دليلا على أن هذا القوي الشرير الإرهابي المجرم الذي لا يعترف بغير الرصاص وسيلة للحوار يجب أن يواجه باللغة التي يفهمها .. بالرصاص .. وتدور الحلقة الجهنمية المفرغة حيث يكون القتل باعثا على مزيد من القتل .. والإرهاب يستدعي الإرهاب .. كان لابد من عامل قوي يكسر هذه الحلقة المفرغة ويمنع تداعياتها الخبيثة.. لذلك نبتت حاجة الغرب إلي وكلاء له يقومون عنه بما ينبغي أن يقوم به دون أن يثيروا الحساسيات والمضاعفات التي يثيرها وجوده المباشر .. وهكذا صنعوا آباءكم وأجدادكم وأسلافكم .. صنعوهم صنعا .. وليس هذا هو المجال الذي أقول لكم فيه كيف صنعوهم .. ثم صنعوكم أنتم .. كانت صناعتكم – بحكم اشتراك الوراثة في الصنع- أسهل .. كان عملا عبقريا .. لأنكم .. بحكم أنكم من نفس هذه الشعوب قادرون على قتل الأجساد والأفكار معا .. وبتكلفة أقل .. لذلك حملوكم على أعناق شعوبكم .. لكن لا تنسوا أبدا أن بداية وجودكم كانت مرتبطة بهذا المنهج .. وأن استمراركم رهين به ..
لشد ما أرثي لبعضكم .. الذين يتصورون أنهم بتسريع العملية وبالمبالغة في سحق شعوبهم ينالون حظوة عند الغرب أكثر .. إن الأمر ليس بهذه البساطة .. إنه معقد بدرجة لا يمكن أن يفهمها إلا داهية .. سوف أحاول تبسيط المسألة لكم لأن مستوى ذكائكم يتدهور بدرجة مقلقة.. سوف أحاول أن أبسط لكم الأمر .. هبوا أنكم استأجرتم قاتلا ليقتل عدوا لكم .. إن علاقة هذا القاتل الأجير بكم يحددها أمران: الأول أنه يعلم أنكم أقوى منه وأنكم تملكون عقابه، والثاني أن يعلم أنكم تملكون القدرة على عطائه عطاء جزيلا .. فإذا اختلت هذه المعادلة فتذكروا أن القاتل الأجير يمكن أن ينقلب على صاحبه، وأن يكون مكمن خطر، إما بدافع الانتقام أو بدافع الطمع.
والآن لنعد إلى مَثَـلِ القاتل الأجير .. ستجزلون له العطاء .. لكن إن كان هذا العدو الذي استأجرتم القاتل لقتله صديقا للقاتل نفسه فلابد أن تجزلوا له العطاء أكثر لأن مهمة القاتل هنا ليست القتل فقط بل وخيانة الصديق أيضا .. فلنتقدم خطوة أخرى .. هبوا أن هذا العدو ليس صديقا للقاتل فقط .. إنه أبوه وأمه .. أبناؤه وزوجته .. أشقاؤه وعشيرته .. أهله .. لو كان الأمر كذلك فإن العطاء الجزيل وحده لا يكفى .. إذ لابد هنا من خداع القاتل .. من غسيل مخه .. من التزلف إليه وإيهامه بأنكم أنتم أهله وعشيرته الأقربون .. لابد من التزلف إليه والمبالغة في التظاهر باحترامه .. عليكم أن تقوموا بكل ذلك رغم كل ما يعتمل في أنفسكم من ازدراء واحتقار .. وعليكم أن تواصلوه حتى ينجز مهمته .. وفى اللحظة التي ينهى فيها القاتل الأجير مهمته .. في اللحظة التي تنتهي حاجتكم إليه .. فليس ثمة قوة في الدنيا بقادرة على منعكم من إظهار مشاعركم الحقيقية نحوه .. من ازدرائه واحتقاره بل ومن محاولة التخلص منه .. لأنه منذ اللحظة التي ينهى مهمته فيها سوف يكون عبئا ومصدر ابتزاز خطر .. وأخطر ما في موقفه أنه سيظن أنه بسبب ما أسداه لكم أصبح ندا لكم .. بل أصبح ذا فضل عليكم .. وأن الثمن الذي يتوقعه ليس ثمنا ماضيا .. تدفعونه له وينتهي الأمر .. بل هو ثمن مستمر في الحاضر والمستقبل .. ثمن استقراركم وسيطرتكم .. بل إن هذا القاتل الأجير يتحول إلى مبتز، وقد يقوم هو نفسه بالتحريض عليكم وإشعال الفتن ضدكم حتى يذكركم بما يجب أن تدفعوه له .. فما هو الحل في هذه المشكلة الخطرة .. ألا توافقونني في أنه ساعتها يجب عليكم أن تدبروا المؤامرات والقلاقل ضد هذا القاتل الأجير حتى تنتهوا منه .. إنني أرجو مخلصا أن تكونوا قد تخلصتم من الحساسية المرضية من استعمال الألفاظ والكلمات والصفات.. وأرجو ألا يخدش كبرياء جلالاتكم ومعاليكم وسموكم تشبيهي لكم بقاتل أجير .. إنني أعتذر لكل من يظن أنني قد خدشت كبرياءه .. لكنني في نفس الوقت أصر على تشبيهي .. بل وأزيد لأقرر أنه ليس مجرد تشبيه!.
هل فهمتم الآن ما أقصد .. إنكم مكلفون بمهمة معينة .. فإن أتممتم إنجازها فلا حاجة بهم إليكم .. ولقد كان عدم فهم هذه النقطة بالذات هو السبيل إلى المآسي الفاجعة التي انتهت بقتل رؤساء وتشريد ملوك ..
سوف نعود لهذه النقطة مرات ومرات .. لكن ما أحب أن أقوله الآن لكم .. أنهم لم يخفوا عنا كل ذلك .. ولقد قرأت عليكم منذ قليل اعترافهم بأنهم انتقوكم من بين الرعاع والدهماء .. كانوا حريصين على أن تكون صفاتكم صفات عبيد .. إنني أرجو ألا تؤلمكم هذه الصراحة .. ومرة أخرى فالكلمة ليس لها معنى إلا المعنى الذي نعطيه لها .. ولكيلا يهولكم الأمر .. فإن الوجود البشرى كله ينبني على وجود سيد وعبيده .. وحتى بين الأقوياء أنفسهم فإن الأقوى نسبيا يستعبد الأضعف نسبيا .. صحيح أنهم ارتقوا هناك بالمفهوم كي يمتعوا أنفسهم .. لم يكتفوا باستعباد بعضهم بعضا .. فجعلوا من التكنولوجيا عبدا من العبيد .. ثم إنهم نجحوا في أن يحولوا العبودية نفسها إلى نوع من المتعة .. ونجحوا بعبقرية أن يتبادلوا الأدوار .. فالعبد بالنهار سيد بالليل وسيد الليل عبد بالنهار .. والحاكم هذا العام يصبح محكوما في العام الذي يليه .. بينما يصبح المعارض حاكما دونما حاجة إلى الصراع الوحشي وسفك الدماء، ولقد استطاعوا بذلك أن يصلوا إلى درجة من الاستقرار أمّنت لهم سبل التقدم ونقلت صراعاتهم الداخلية إلى الخارج. إلى بلادكم أنتم. لذلك فإن مفهوم الانفصال الطبقي عندهم ليس ظاهرا كل الظهور .. ذلك كله صحيح .. وصحيح أيضا أنه لولا اختيارهم لكم ما كنتم في مناصبكم التي تتمتعون بها الآن .. وصحيح أن عصمتكم في أيديهم فمن شاءوا منعوه ومن شاءوا أطلقوه ومن شاءوا خلعوه ومن شاءوا قتلوه ومن شاءوا عزلوه ومن شاءوا أطلقوا له الحبل على غاربه .. وذلك كله يعنى أن مفهومهم عنكم كعبيد مفهوم صحيح .. لكن هذا هو المعنى الذي يستطيعون إعطاءه للكلمة .. أنتم تستطيعون أن تعطوا الكلمة معنى آخر .. لكنني قبل أن أتطرق إلى هذا المعنى أدلف لمفهوم كلمة العبيد عند رعاياكم .. نفس الشيء .. إن الوجود ينقسم عندهم إلى سيد وعبد .. ورغم أن الكلمتان تتكونان من ذات الحروف فشتان ما بين المعاني .. ذلك أن مفهوم الرعاع والإرهابيين أن الله هو السيد الواحد الأحد وأن جميع الخلائق بعد ذلك عبيد .. هذا المعنى الخطير يقتضى أن البشر كلهم عبيد .. وما داموا عبيدا فهم متساوون .. إذ لا يمكن أن يكون البشر متساوين إلا في حالة وجود إله .. إنهم يعترفون على أنفسهم بأنهم عبيد .. وأنتم أيضا من وجهة نظرهم عبيد .. ويرون حتى سادة الغرب عبيدا .. الكل عندهم عبد والعبودية مطلقة وذلك يعنى تساوي الرؤوس جميعا وليس لأحد العبيد أن يعتبر أنه أفضل من العبد الآخر إلا بمحض صفاته الشخصية .. هذه الفكرة هي ما تزعج الأقوياء هناك كما تزعجكم.. لأنها تهدد فلسفة القوي الأجنبي وحضارته كلها بالفناء .. وهى تهددكم أيضا بذات الفناء .. ولأن الأجنبي قد فشل في قمع هذه الفكرة .. حيث نجحتم أنتم.. فإن ذلك يعطيكم ميزة .. وهذه الميزة تجعلكم سادة وليس عبيدا .. أو على الأقل نصف سادة..على ألا تنسوا أبدا .. أن وجودكم مرتبط بوجود شعوبكم .. ولو تصورنا كارثة طبيعية أهلكت شعبَ واحدٍ منكم فلم يبق من الشعب إلا هو .. فإن الغرب ساعتها لن يواصل التظاهر بمعاملته كسيد بل سوف يتعامل معه كلص ومجرم ..
هل فهمتم ما قلت يا سادة ..
تلك هي لعبتكم الكبرى .. وهى ليست لعبة حظ ولا متعة وإنما لعبة حياة أو موت .. الأجنبي يتعامل معكم كسادة ولكنه يعتبركم عبيدا .. وأنتم تعاملون رعاياكم كعبيد لكنكم تتظاهرون بسياستهم كسادة .. وما بين الاثنين .. الأجنبي ورعاياكم تقبع فرصتكم .. وتذكروا دائما أن رعاياكم هؤلاء هم الفئة الوحيدة التي تعترف على أنفسها بالعبودية .. إنهم لا يتنافسون معكم على سيادة ولا حتى نصف سيادة وإلا لأمكن التفاهم معهم.. برشوتهم .. أو باصطفاء الأقوياء منهم ليكونوا معكم سادة .. ليسوا مثلكم .. وذلك مكمن خطرهم .. وصعوبة سياستهم .. إذ كيف تتمكنون من السيطرة على من لا يعترف بكم سادة .. من لا يعرف له سيدا سوى الله .. لكن ذكاءكم سيكمن في تقليدكم لما يفعله الأجنبي معكم وبكم .. اختاروا لهم وزراء ممن لهم ميول العبيد .. وشيخ أكبر ممن لهم ميول العبيد .. ومدع عام ممن لهم ميول العبيد .. وقضاة ممن لهم ميول العبيد.. ومحافظين ممن لهم ميول العبيد .. ورؤساء جامعات ممن لهم ميول العبيد .. واجعلوا الوزراء يختارون وكلاء ممن لهم ميول العبيد .. اختاروا أيضا رؤساء تحرير صحفكم ممن لهم ميول العبيد .. والمسئولين عن إعلامكم وثقافتكم وتعليمكم وصناعتكم وتجارتكم وزراعتكم وكل شئون الحياة في ممالككم وإماراتكم .. اجعلوا كل مرؤوس عبدا لرئيسه سيدا لمرءوسه .. لأنكم بذلك تجعلونه يتخلص من توتر قهر رئيسه له بقهر مرءوسه .. وليظل الصراع مستعرا بين طوائف أممكم .. صراع كصراع العبيد في روما القديمة .. حين كان العبدان يقتتلان حتى الموت.. يموت أحدهما في المبارزة .. فيتقدم جنود الرومان لقتل الآخر على الفور.. كان الفارق بين حياة القاتل والمقتول دقيقة .. بين النصر والهزيمة دقيقة .. ولقد تجلت عبقرية الرومان في أنهم لم يتركوا للعبيد أي فرصة ليدركوا معنى هذه الدقيقة ومغزاها .. ولو أنهم أدركوها لاتحدوا وقتلوا قاتليهم .. هذه العبقرية هي بالضبط ما أريدكم أن تتزودوا بقبس منها .. عبقرية الحكم .. لكن لا تنسوا أبدا أن أعداءكم الآخرين هناك يمارسون نفس السياسة العبقرية معكم .. لكن مهمتكم أصعب من مهمتهم.. إنهم يعاملونكم ورعاياكم بنفس المنهج .. أما أنتم فإن عليكم أن تمارسوا الشيء وضده في نفس الوقت .. أن تتعاملوا معهم بطريقة ثم تتعاملون مع رعاياكم بطريقة مضادة على طول الخط .. إن الجهاز العصبي للكائن البشرى غير ممهد لفعل الشيء ونقيضه في نفس الوقت ..
والآن ..
دعوني أرفه عنكم .. سأقطع هذا الحديث القاسي المتجهم .. سأرفه عنكم بلعبة طريفة ..
فليضع كل واحد منكم يديه على صدره .. اقبضوا أصابعكم .. ودعوا السبابة وحدها منتصبة .. والآن هيا .. لنبدأ اللعبة .. اجعل السبابة اليمنى تتحرك على النصف الأيمن من صدرك صعودا وهبوطا .. هيا .. بسرعة .. والآن .. دون أن تتوقف سبابتك اليمنى .. اجعل سبابتك اليسرى ترسم دائرة على نصف صدرك الأيسر .. هيا .. بسرعة .. اجعلوا الدائرة منتظمة .. لا توقفوا السبابة اليمنى عن حركتها الرأسية .. السبابتان معا .. في نفس الوقت والحركة المختلفة ..
والآن .. انتهت اللعبة .. أطلقوا أيديكم كما شئتم ..
هل أدركتم صعوبة – وربما استحالة- تلك اللعبة؟ .. أن يتحرك نصفك الأيمن عكس حركة نصفك الأيسر ..
هذا بالضبط ما يحدث لكم في الحكم .. وعليكم أن تكتسبوا تلك المهارة الصعبة .. فباكتسابها تستطيعون قلب المعادلة كيفما شئتم .. تستطيعون مواجهة عدوكم ليس بأنفسكم وإنما بعدوكم الآخر ..
من أصغر مستوى إلى أكبر مستوى .. من خلافات بين قريتين ومرورا بالصراعات المصنوعة بين الأحزاب والهيئات والمؤسسات والدول ووصولا حتى الحرب العالمية .. وبهذه الطريقة تنتصرون وتبقون ويبيد أعداؤكم في الداخل والخارج .. يستهلك كل منهما قواه ويفرغ توتره مع الآخر .. لتبقى الساحة بعد ذلك بأقل قدر من التوتر .. فتحكمون كما تشاءون .. وإلى أبد الآبدين..
***
الرابط التالي لقراءة و تحميل الرواية كاملة
http://freedomvoice.eu/content/docs/ArabProtocols.pdf