كتب أ.د محمد أبوزيد الفقى :
سلسلة قبل الغروب
عوامل السقوط
الحضارة والتخلف
نقصد بعوامل السقوط ، الأسباب التى أدت إلى سقوط العالم العربى فى الوقت الحالى، وفنائه بعد ذلك ، ونحاول من خلال تسليط الضوء على هذه العوامل ، إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، أو تأخير وقوع الفناء العربى ،أو عودة العالم العربى إلى الحياة ،والتأثير فيها من جديد
فى لقاء تليفزيوني أجراه مقدم البرامج أحمد موسى فى قناة صدى البلد أجراه فى الصين مع أحد رؤساء الجامعات الصينية ، ورئيس الجامعة هذا يجيد اللغة العربية ، أفضل مما يجيدها بعض المصريين والعرب ، وكان السؤال الأول من مقدم البرنامج ، لرئيس الجامعة ، - كيف نهضت الصين ؟
فقال الرجل : أهم ما يمكن تسجيله هنا ، هو أن الصين نهضت بالزراعات الغير تقليدية ، فالناس يحبون الزراعة فى كل مكان ، خاصة زراعة الأشجار والنباتات المثمرة ، لأننا لا نملك ترف زراعة الفيكس وأشجار الزهور مثل الجهنمية وغيرها ، كما فى بعض الدول ، إن الناس هنا فى الصين يزرعون فى كل شبر خال فى بيوتهم ، وإذا لم يجدوا مكانا على الأرض ، يزرعون شواطىء الأنهار ، والترع ، والمصارف ، وكبار السن يحصلون على تصاريح لزراعة أى مساحة خارج المدينة أو القرية التى يعيشون فيها ، وهناك يبدأون حياة جديدة ، يقومون بعمل كوخ صغير ، ويحبون الحياة فيه ، بعيداً عن صخب المدينة ، وازدحام القرى التى يعيشون فيها ، فالناس فى الصين يحبون الزراعة حباً جماً ، والزراعة أحبتهم لذلك ، وأعطتهم ما يكفيهم من غذاء يكفى لمليار ونصف من البشر ، وما يزيد عن احتياجاتهم يصدر لجميع دول العالم ، وأنتم فى مصر لديكم التربة الجيدة والماء ، ويمكن أن تكرروا نفس تجربة الصين فى الزراعة المنتجة ، وليست الزراعات التجميلية .
هذا هو منطق الحضارة والتقدم والازدهار ، ولكن موقف التخلف والاندثار ، والانتثار ، والانكسار ، والاندحار والانتحار الذي يمثله مقدم البرنامج ، جعله يعدل عن هذا الموضوع الخطير والتجربة العظيمة ، التي تهز الوجدان هزاً ، ويسأل رئيس الجامعة سؤالاً مفاجئاً مباغتاً : لماذا لا تقومون بعمل الطعمية في الصين ؟
فقال له الرجل: لم نفكر في هذا الموضوع الآن، ولكن ربما جاء بعد ذلك.
يا أخ أحمد موسى : هؤلاء الناس يفكرون فى الخروج من الأرض إلى كواكب أخرى ، ويفكرون فى زراعة كل سنتيمتر في بلدهم ، ويتركون لك ولأمثالك من أغنياء مصر بناء الفيلل والقصور ، على مساحات كبيرة ، وملىء هذه المساحات بأشجار الفيكس ، والجهنمية التى ستكون عنوان طريقكم إلى جهنم بإذن الله تعالى ، بالإضافة إلى ملاعب الجولف ، وحمامات السباحة لأبناء السابلة الذين أصبحوا ملاكاً ، وأصحاب مال فى عهد الانفتاح أيام السادات ، وعهد الهبش أيام مبارك ، الذي جعل من أبناء بعض البوابين ، وماسحى الأحذية ، جعلهم ملاك مصر الحقيقيين ، ولا تنتظر من هؤلاء خيراً لهذا البلد ، لأنهم بأموالهم يعالجون عقد نفسية فى داخلهم ، ويقومون بصناعة واستيراد كل ما لا ينفع ، ويجعلون الوطن يدفع ثمناً باهظاً ، وينتقمون منه ، بسبب تاريخ أبائهم ، والذل الذى عانوه فى الماضى ، إن هؤلاء بينهم وبين الوطن ثأر قديم، ولا ينفع معهم إلا حاكم حازم وفاعل يمنعهم من هذه اللعبة الخطيرة ، ويرد للمصريين حقهم عند هؤلاء
لأن كل غنى فى بلد فقير يكون السبب الأقوى لغناه ، هو تشغيل عمالة رخيصة وأخذ جزء كبير من أرزاق الناس ، وضمه إلى ثروته ، وهذه هى [ نظرية فائض القيمة عند كارل ماركس ] ، وليته يُبعث من جديد ليُعلم أمثالك كيف تكون خدمة الوطن ، وعدم سرقته باسم الوطنية والإخلاص .
ملاحظات :
كل ما قاله رئيس الجامعة الصيني لمقدم البرنامج المصرى الأراجوز ، هو ما سارت عليه الصين ، حتى غدت قوة قاهرة ، وما سارت عليه الهند حتى غدت قوة ناشئة ، وما سارت عليه البرازيل حتى غدت قوة عائدة ، وبعد قليل سائدة ، وما سارت علية إسرائيل حتى صدرت لمصر فى عام 2010 سبعين ألف طن من الفول ، لعلف العجول ، وعمل طعمية من التى كنت تسأل عنها وأنت فى الصين ، يبدو أن هناك علاقة ( ما ) بين الفول والطعمية ، وبين التخلف والغباء ، لحرص إسرائيل على زراعة الفول و تصديره إلينا ، ثم قامت بعمل مسحوق الطعمية لأمثالك من الأغنياء ، ويباع فى السوبر ماركت ،و للفنادق ، وللمطاعم الكبرى ، وشركات الطيران المصرية والعربية ، وأنا أكلت منه وأنا عائد من مؤتمر فى السعودية ، بلد الأسرة المقدسة ، زعيمة العالم الإستسلامي وكانت للحق طعمية جيدة ، وإذا أراد شراءها أى عربى ، فعليه أن يسأل صاحب السوبر ماركت [ السوق الكبير ] عن مسحوق سان جورج ، وهذا إنتاج إسرائيلي من زراعات البلكونات والأسطح من نبات الفول وتصديره – معذرة – للعجول .
الملاحظة الثانية :
قد لا تعجبك التجربة الصينية ، بدليل أنك تجاهلت ما يطرحه الرجل وفيه الإنقاذ لمصر ، ولن أشكك فيك وأعتبرك جاسوساً ، يمنع عن بلده بوادر كل خير ، ولكنى سأعتبرك كمعظم العرب ، غائب عن الدنيا ، ولا شىء لك فيها إلا اللعب على مجموعة من الحبال ، حتى ينقطع بك أحدها ، وتسقط على رقبتك ، وهى رقبة جيدة لعلها أجمل ما فيك ، ولكنها لن تتحمل الاصطدام الشديد بالأرض
نترك التجربة الصينية في الزراعة ونتغاضى عن العنت الذي يعانيه الفلاح المصري منذ قرون ، ونترك أصحاب المشاريع المصرية التكنولوجية الشمسية الهوائية ، المهلبية ، والطحينية ، اللامرئية ، والعبثية ، الخزعبلاتية وأذهب معك إلى قصر أسيادك فى البيت الأبيض فى أمريكا ، سيدة العالم الآن بلا منازع ، ينازع .
دخل الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض ، وبعد الاحتفالات ، ذهب هو وزوجته
[ ميشال ] إلى مقر إقامتهما فى البيت الأبيض ، وفى الصباح نظرت ميشال إلى الحديقة الخلفية للبيت الأبيض ، فوجدت مساحة كبيرة مزروعة بأشجار الزينة
[ كما يفعل صيع العرب ] ، فقالت لزوجها : لماذا نترك هذه المساحة بدون زراعة منتجة ، فقال لها الأخ [أوباما ] هكذا الحال منذ فترات سابقة ، فقالت : لابد من زراعة هذه المساحة ، فقال لها : إن لهذا البيت مديراً فاسأليه ، فذهبت إلى مدير البيت الأبيض فقال لها : إن هذا الأمر يحتاج إلى مبالغ مالية ، فقالت له سأدفع هذه المبالغ من مالى الخاص ، وسأعمل مع العمال ، وبالفعل قامت السيدة ميشال بزراعة خمسة أفدنة ، ثلاثة بالفاكهة ، واثنين بالخضروات وقامت بعمل كشك على الطريق بعيداً عن البيت الأبيض ، لبيع الخضروات والفاكهة ، وتقف لتبيع فيه يوم الثلاثاء من كل أسبوع ، والموضوع بأكمله موجود على النت ومنشور فى الجرائد ولدى صورة ، وصورة نادرة للرئيس أوباما وهو قد شمر قميصه ، ويرفع الطين [ من العقال ] ليروى حوضاً فى المساحة التى قامت زوجته بزراعتها ، ولما سُئلت ميشال لماذا تدفعين ، وتقضين يوماً فى الكشك ؟ قالت : أتمنى أن تتعلم نساء أمريكا أن يأكلن من عمل أيديهن ، وأن يزرعن فى أوقات فراغهن ، حتى تكبر أمريكا وتكبر وتسيطر على العالم ، وتنقله للحرية والعمل .
الملاحظة الثالثة : أن الرئيس الأمريكى أوباما ، عندما زار إسرائيل أحضر معه شجرة زيتون من نوع نادر ، وغرسها بيده فى بيت الرئيس الإسرائيلي والصور موجودة على النت لمن يريد .
الملاحظة الرابعة : إن الشعب الذى يكره الزراعة هو نفس الشعب الذى يعشق الفناء ، وقد كان المصريون يحبون الزراعة ويقدسونها ، حتى بدأ التآمر عليهم من عدة جهات . الأول رفع الرئيس [ الشملول ] عبد الناصر شعار أننا دولة صناعية ولسنا ولن نكون دولة زراعية ، فلا هو نجح فى الصناعة ولا نجح فى الزراعة ، بل لقى ربه وثلث مصر محتل ، والدولة بالكامل تأكل من صدقات أعدائها فى كل مكان .
الثانى : لإحكام المؤامرة بدأت السينما المصرية تسخر من الفلاح ، وأصبح كل تصرف خارجاً ، أو لا يعجب المتآمرين يقال لصاحبه أنت فلاح ، حتى كره الفلاح أرضه ، وبعضهم ذهب للمدينة للعمل كبواب حتى يرفع عنه عار الفلاحة ، ولقد شاهدت فيلماً فيه شاب يزور أسرة لكى يخطب ابنتهم ، وعندما جلسوا على مائدة الطعام ، رفع الشاب إناء الشوربة وشفط منه بصوت عال بعض الشيء ، فأقشعر جسد كل الموجودين واتفقوا بالنظرات فيما بينهم على رفض مصاهرة هذا الشاب الطيب ، لأنه فلاح ، وانصرف الجميع فذهبت الزوجة إلى بيت صديق لها عاشرها فيه معاشرة الأزواج ، وذهبت البنت إلى مرقص فرقصت مع مجموعة من الشباب ، وذهب الزوج إلى صديقة له فقضى عندها معظم الليل ، وذهب أولاده الشباب وفعلوا مثل ما فعل أبوهم ، وعند الفجر عاد الجميع سكارى إلى البيت ، هذه الأسرة الراقية [ فى الفساد ] لم يعجبها الشاب الفلاح الذى علا صوته ، وهو يحتسى الشوربة ، وظلت هذه الأفلام تتكرر حتى كره الفلاح اسمه ورسمه وأرضه وزراعة شجرة مثمرة أو يفعل كما فعلت زوجة أوباما زعيم العالم ،أما المثقفون أو بعضهم فإنهم يعيشون فى الخيال ، ولا يأخذون بأيدى هذا الشعب المسكين ، إلى شىء ينفعه ، بل جل جهدهم انصب على الفلسفة ، التى لا يعرفون الهدف منها وفى مجال الشعر وصلنا للقصيدة النثرية ، ثم انتقلنا بتوفيق الشيطان إلى القصيدة الرمزية ، ثم إلى القصيدة السريالية وهكذا حتى نصل ‘إلى القصيدة [ الملوخية بالمهلبية ] .
سلاماً لك يا مصر ، وسلاماً لأبنائك الشرفاء ، وسلاماً لكل من يزرع شجرة مثمرة ، يأكل منها الناس ، وسلاماً لك من القلب ، وسلاماً عليكِ [ بحزن ] من القلب .
إن بلداً يعيش فيها أحمد موسى وأمثاله ، لهى بلد فى محنة ، تستجدى من أعدائها المنحة ويقولون : تعاون دولي ، إلى أخى أحمد موسى : إذا قرأت هذا المقال فسلم لى على الترماى !!!
إنا لله وإنا إليه راجعون
بذنوبنا أعطانا الله جهلاً يغنينا عن كل علم
أ.د محمد أبوزيد الفقى
5ربيع الأول 1436هـ ،27 ديسمبير 2014م
الموقع الألكترونى www.mohammedalfeqy.com
صفحة الفيس بوك www.facebook.com/Abu.Zaid.alFiqi