اخر الاخبار

الأحد , 7 ديسمبر , 2014


حلف واشنطن - طهران... هدية العالم لمن؟

كتب حازم الأمين:

المبادرة الآن بيد «داعش»، هذا ما أفضى إليه التحالف المستجد بين واشنطن وطهران. فالمشهد اليوم على النحو الآتي: «داعش» يتقدم في سورية، فيما تُعلن واشنطن بلغة شبه محايدة أن طائرات إيرانية قصفت مواقع لـ «داعش» في العراق من دون استشارتها، وطهران إذ تنفي الخبر، تُرفق نفيها بالقول إنها لن تتوانى عن دعم الحكومة العراقية في مواجهة الإرهاب!

نحن نشهد فعلاً فصولاً من تحول كبير، وهو، شأن التحولات السابقة، لا يخلو من احتمالات مآسٍ جديدة. فالإدارة الأميركية في قرارها الانكفاء حسمت أمرها على ما يبدو وقررت تسليم طهران مهمة ملء الفراغ الذي ستخلفه. لم تعد صور قاسم سليماني يقود العمليات العسكرية ضد «داعش» في العراق المؤشر الوحيد إلى قرار واشنطن. فما رشح من اجتماعات فيينا كان مؤشراً أهم. تأجيل إعلان الاتفاق ستة أشهر سببه الصعوبات التي قد تواجهها واشنطن مع حلفائها التقليديين في الإقليم، خصوم طهران. أما الأخيرة فقد باشرت المهمة. لم تعد أميركا «الشيطان الأكبر»، ويتركز الآن خطاب الممانعة التي تقودها طهران على «داعش».

لنراقب مثلاً زيارة نوري المالكي إمارة «حزب الله» في بيروت. فنائب الرئيس العراقي كان في استقباله في مطار بيروت رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد، وفُرش السجاد الأحمر له في مقر «حزب الله» في مليتا، واقتصرت زياراته على أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الشيخ عبد الأمير قبلان. أما الكلمات التي ألقاها أو استقبل بها، فكشفت أن قضية الممانعة أصابها تحول دراماتيكي. فلسطين صارت مجرد متحف للزيارات في مليتا، والقضية المركزية هي النزاع الطائفي الذي يقسم المنطقة.

وقف نوري المالكي، رجل طهران وواشنطن الذي تسبب للعراق بمآسيه الأخيرة، في «معلم مليتا» الذي أنشأه «حزب الله» لأغراض «سياحة المقاومة»، وأعلن من هناك وقوفه مع الحلف الذي يُمثله إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد. واستلزم الخطاب استعادة عابرة ومبتذلة لبعض شعارات المواجهة مع إسرائيل، لكن متن كلامه وكلام مضيفيه تركز على المواجهة التي تشهدها المنطقة، والتي يبدو أن إسرائيل خارجها، فيما «الشيطان الأكبر» يقف إلى جانب السيد النائب هناك، في معلم مليتا للسياحة «الجهادية».

لهذه الأسباب ستكون المبادرة في الأشهر المقبلة بيد «داعش». فالتنظيم الإرهابي سيستثمر في هذا المشهد. فقد انعقد له حلف العَدوان القريب والبعيد، أميركا وإيران! هل من هدية أثمن من هذه الهدية. بالنسبة للعراقي السنّي والسوري السنّي، وبالنسبة لأي سني في المنطقة اليوم، ستكون استعادة أي مدينة من «داعش» بمثابة احتلال آخر لها. قاسم سليماني هو من سيستعيد الموصل من «داعش» وستؤمن طائرات أميركية غطاء جوياً له، وفي هذا الوقت يواجه أثيل النجيفي صعوبات كبيرة في استقطاب مقاتلين عراقيين سنّة لحشدهم في تشكيلات عسكرية لاستعادة المدينة. والآن يرى سكان المدينة أن الحرب الدائرة هي بين عدوين لهم، أي «داعش» والميليشيات الشيعية. ولكن عندما تتضح أكثر معالم التحالف بين واشنطن وقاسم سليماني لن يكون أمام أهل الموصل سوى حسم ترددهم وحيادهم لمصلحة تنظيم «الدولة».

المسألة الأخطر والتي تؤشر إلى أن المبادرة ستنتقل إلى يد «داعش» على نحو سريع تتمثل في أن دول المنطقة التي انخرطت في التحالف الدولي ضد «داعش» بدأت تعاني من صعوبات فعلية لجهة استمرارها في المشاركة في الغارات على مواقع التنظيم. فانكشاف حلف واشنطن وطهران جعل من تسويق المشاركة في الغارات أمراً غير يسير، ومخاوف الحكومات من تعاظم نفوذ طهران في المنطقة لا يقل عن مخاوفها من تعاظم نفوذ «داعش»، وبما أن الأخيرة رأس حربة المواجهة مع طهران، فهي تملك فرصة كبيرة للفوز بالرهان. ومؤشرات ذلك تتمثل في الموقف التركي - القطري غير الحاسم لجهة المواجهة مع «داعش»، فبالنسبة إلى أنقرة يُعتبر تنظيم «الدولة» ورقة يجب أن تُلعب في سياق المواجهة، وهي لا ترى أن القضاء عليه يجب أن يكون مجانياً.

«داعش» حتى الآن لم يستجب للرغبة في اللعب، ويقتصر «تعاونه مع أنقرة» على غض طرف متبادل عن الحدود وعن أسواق النفط المستجدة، لكن ما إن يعي التنظيم الإرهابي أن في الأفق فرصة عبر تقديم تطمينات لأنظمة تشعر بتهديده وهي خارج حلف طهران واشنطن، فسيجد استجابة.

نعم، لقد أعطي «داعش» الدور الكبير الذي يطمح إليه. هو الآن رأس حربة في المواجهة المذهبية التي تشهدها المنطقة. هو لا يقيم دولة على نحو ما يُروج، وهو أعجز من أن يدير مجتـمعاً ومُدناً، هو فقط يستعد للحرب ويُضاعف يومياً استعداده لها، ويرفده كل يوم بمزيد من المتطوعين، وتتكشف وقائع مذهلة عن معسكرات تدريب في دول بعيدة تعد المقاتلين وتُرسلهم إليه، على نحو ما كُشف في ليبيا أخيراً.

السرعة التي تجري فيها الأحداث يوازيها بطء قاتل تقابل به الولايات المتحدة هول ما يجري. بيان بارد عن مشاركة طائرات إيرانية في قصف مواقع «داعش» في العراق، وآخر أكثر برودة عن معسكر «داعش» في ليبيا. وفي هذا الوقت يتكشف تراجع واضح في حماسة دول المنطقة في المشاركة في الحرب على «داعش»، وهذه البرودة ستتحول على ما يبدو انكفاءً كاملاً عن المهمة في ظل تصدر طهران لها.

المسألة الآن لم تعد مرتبطة بـ «ظلامة السنّة العراقيين»، ذاك أن رفع هذه الظلامة، إذا تم أصلاً، لن يحرم «داعش» في العراق من أسباب وجوده، إذ إن «داعش» سيُمثل منطقة بأكملها في سياق المواجهة. أما في سورية فالتنظيم الإرهابي يتقدم على وقع غارات التحالف والنظام، وعلى وقع ارتسام مشهد مذهبي مختلف هذه المرة. ذاك أن واشنطن «العدو البعيد» انتقلت فيه من موقع إلى موقع، وستبقى في موقعها الجديد لسنتين على الأقل هما المتبقيتان للرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض.


القراء 1037

التعليقات


مقالات ذات صلة

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((( الأسد المركوب )))

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((المطبخ))

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( الناس))

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((مسوخ أرض عاميس))

حروف ممنوعة بقلم/ هشام حسن الببغاوات

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((قفا نبك من ذكرى آخر أسهمى))

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((عصا وأرجوز))

حروف ممنوعة _ هشام حسن الخوازيق

تعقيباً على لقاء أجناد مصر بقلم/ إحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((خووووووووود))

القرآن المهجور : بول الإبل بقلم ا.د محمد أبوزيد الفقى

القرآن المهجور : بول الإبل بقلم ا.د محمد أبوزيد الفقى

دولة ‫‏الخلافة‬ لا يعاديها أحد إلا فضحه الله بقلم/ الشيخ عبد المجيد الهتاري الريمي

طواغيت، منافقون، عبيد بقلم/ أحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( السفينة ))

الإرهاب و السحر عند الفراعنة

ﻓﻲ ﻇﻼﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ

بروتوكولات حكماء العرب البروتوكول الثاني

هجمات باريس وإرهاب الإسلام - حسن أبو هنيّة

هل حان الوقت لكي نفهم ؟ بقلم المستشار/ محمد يوسف عدس

الايدولوجيا و الدين و المسلمين و الحرث في الماء بقلم المهندس/ خالد غريب

الايدولوجيا و الدين و المسلمين و الحرث في الماء بقلم المهندس/ خالد غريب

تأملات في الواقع بقلم/ حسين بن محمود

النماذج الثلاثة

عبادة الرموز و تقديسها بقلم/ أيمن إمام

بروتوكولات حكماء العرب الجنس الثالث..!!.. البروتوكول الخامس د. محمد عباس

التعصب للجماعات يعمي البصيرة حتى و لو كانت الجماعة جماعة مجاهدة

جاءت الملاحم يامسلمون فتهيئوا لها

انتصارات الدولة الإسلامية وشعبيتها

غلام الجاهلية

انتهت مرحلة الردود على الشبهات بقلم أحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((الرجل ذو الألف مسبحة))

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( الفلاشة ))

طه عبد الرحمن، السياسة والترجمة: أي معنى للإبداع؟

سلسلة قبل الغروب عوامل السقوط الحضارة و التخلف

لماذا فشلت الثورات العربية؟ أحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( ليلة التاسع من نوفمبر ))

تعليقاً على المصالحة المصرية القطرية.. أحمد طه

و إذا كان العرب أغبياء فلم نلوم الغير ؟

تعليقاً علي خبر القبض على شاب وفتاة بالمترو تحدثا بالإنجليزية



خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net