هل هناك زواج متعة بين الولايات المتحدة وإيران؟
كتب قيهان ايغور:
لقد خرجت الأمور عن إطار المألوف في التطورات التي تشهدها المنطقة. لذلك أُريد أن أطرح أسئلة مفادها: من يعنيه طلب النظام السوري من الولايات المتحدة أن تقصف بلاده هو -أي سوريا-، ويسمح بتحليق طائراتها -أي أمريكا- في سماء سوريا؟ ومن همه الشاغل أن يطلب العراق والواقع تحت سيطرة أمريكا، من إيران قصف أراضيه هو -أي العراق-؟
بالأمس قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "جون كيربي"؛ إنه لا يوجد سبب للتشكيك في صحة التقاريرالإعلامية؛ التي تحدثت عن شن طائرات إيرانية من طرازF- 4؛ غارات على مواقع لـ "داعش"؛ في محافظة "ديالى" العراقية. أما وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" فلم يؤكد هذه التقارير، ولم ينفها، وذلك في معرض رده على أسئلة صحفية في العاصمة البلجكية بروكسل والتي حضر فيها أول اجتماع للتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد أهداف "داعش" في العراق وسوريا. بل وأضاف الوزير الأمريكي قوله إنه يرى هذا الأمر تطورا إيجابيا. وخلاصة هذه التطورات، أن شعار "الموت لأمريكا" الذي دأبنا على سماعه في شوارع إيران، بات نسياً منسياً.
وعلى جانب آخر نجد وسائل الإعلام الإيرانية، تتحدث عن "جيش القدس" وهو القوات الخاصة الإيرانية، وتقول إنه يحارب كتفا بكتف مع الشعب من أجل مواجهة الإرهاب. بل وتقص هذه الوسائل على الرأي العام بطولات القائد السري الموسوم بـ"قاسم سليماني" التي قام بها في العراق. وتقول إنه لولا إيران، ما استطاع العراق أن يصمد أمام "داعش"، وتعطي نماذج من على الجبهات العراقية.
ولاشك أن إيران لم تكتفِ فقط بإرسال محاربين وأسلحة إلى العراق، وإنما خصصت لصالح الحكومة العراقية طائرات (سوخوي إس يو-25) ومن المحتمل أن هذه الطائرات بطياريها. ويمكننا من خلال ما يلي، فهم حساسية إيران بخصوص مسألة "داعش".
تعلمون أن ردود الفعل الغاضبة ضد النظام الإيراني، قد زادت بين السنة الذين يشكلون تقريبا ما نسبته 10 في المئة من سكان إيران. وكما تعلمون أيضا فإن تنظيم "داعش" قد قويت شوكته في العراق في ظل غضب السنة تجاه عدم اهتمام الدولة بمطالبهم المشروعة. وبالتالي فإن الأنظمة المعادية للديمقراطية، وكذلك التنظيمات والإدارات الكردية الشمولية أو القبلية في العديد من البلاد، تتوجس خيفة من انتشار حالة التمرد والعصيان بين شعوبهم.
ومن الجدير بالذكر أن التقارب الإيراني – الأمريكي، ليس بسبب "داعش". فإيران تتبع سياسات متوازية مع الولايات المتحدة في اليمن وأفغانستان وباكستان، وغيرها من الدول الأخرى. ولعل من الملفت للانتباه أن المباحثات التي تجريها المجموعة الدولية مع إيران حول ملفها النووي المثير للجدل، قد تم تمديدها الأيام الماضية، للمرة الثالثة. ولقد قبلت الولايات المتحدة بعملية المد هذه بدون أي ضغوط، في حين أنها كانت في كل مرة تطلب من إيران تاريخا قاطعا.
وإيران التي تزعم أنها قائدة العالم الإسلامي، قد وصلت لوضع تشتكي من المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة، وذلك كما ورد في وكالة "إيرنا" الإيرانية للأنباء. فقد ذكرت الوكالة، أن خفض المملكة العربية السعودية لأسعار النفط، بمثابة إعلان حرب على الولايات المتحدة. فنفط الرمال والصخور الذي تحصل عليه أمريكا، من خلال استثمارات شاقة، قد فقد قيمته، بسبب خفض السعودية لأسعار النفط. ولا شك أن إيران في مسألة خفض أسعار النفط هذه، معنية بأزماتها الاقتصادية، وليست مهتمة بخسائر الاقتصاد الأمريكي. لأن الولايات المتحدة سيلحق الضرر بها في قطاع واحد من القطاعات التي تدر عليها أموالا، أما بالنسبة لإيران، فالوضع مختلف، وذلك لأنه لا يوجد لديها مصدر دخل آخر سوى النفط. فإيران كانت تعاني من أزمة اقتصادية وأسعار النفط مرتفعة، فما بالكم بما ستؤول إليه الأمور والأسعار منخفضة. فهذا الأمر قد يؤدي إلى حدوث أزمة كبيرة داخل إيران.
لذلك نرى الآلة الإعلامية الإيرانية، تكثف جهودها على هذا الأمر خلال الفترات الأخيرة، وتطلب من خلال موادها الإعلامية، إعادة العلاقات لطبيعتها مع أمريكا. ومن الواضح أن هذا الأمر بدأ يتحقق رويدا رويدا، إذ تم تخفيف الحظر الذي كان مفروضا على إيران من قبل واشنطن، وثم من يقول إن هناك اتجاها لرفعه تماما. لكن ليس من الواضح ما إذا كان الاقتصاد الإيراني سيظل واقفا على قدميه، حتى رفع الحظر، أم لا.
ولعل التقارب الأمريكي – الإيراني، لم يُرفض فقط من القطاعات السنية التي عانت الويلات في العراق وسوريا، وإنما رفضته كذلك المملكة العربية السعودية، ودول الخليج. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف سيقوم ملالي إيران بإيضاح هذا التقارب للإيرانيين، لا سيما وأنهم كثيرا ما ألهوا الرأي العام بسياسة معاداة أمريكا، وقد تكون هذه مشكلة أخرى ستواجههم.
وختاماً أقول، إن هذا الترنح الإيراني، يؤكد لنا أن السياسة الثابتة والقائمة على مبادئ في المنطقة، لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال نظام ديمقراطي يهدف إلى كسب قلوب الشعب في الداخل أكثر من اهتمامه بالتوازنات في الخارج، نظام ليس لديه أي مخاوف من الداخل، وهذه السياسة لن تتحقق بالعداوات ولا بالخطابات الجوفاء.
وعلى الدوائر القومية المزعومة التي طالما تحدثت لسنوات عن معاداة سوريا وإيران للإمبريالية، أن تنظر إلى أنقرة، إذا كانت تبحث عن محور يريد العدل والحق في منطقتنا وعالمنا. فأصحاب السيطرة على العالم، والمناصرين لفكرة الوضع الراهن، مهما خربوا وأفسدوا، فإن من ينشدون عالما جديدا أكثر عدالة، سيتجمعون حول تركيا.