كتب احمد طه:
اللحظة المنتظرة!
إلى الذين يغرقون في الحدث، وتبتلعهم اللحظة الحاضرة، وتحتويهم صغائر الأشياء.. فلا يستطيعون تذكر الماضي، ولا رؤية الحاضر، ولا استشراف المستقبل.. إلى الذين تتحير عقولهم عما ستؤول إليه الأحداث في مصر، وماذا ينتظرون من فكرهم العلماني المتدين، ومن دين السلمية.. دعوني أذكركم:
في العام 1952م وما تلها من أحداث تم التأسيس لـ "جمهورية مصر العربية" على يد الطاغوت الهالك عبدالناصر.. وساعده الإخوان في ذلك، ظناً منهم أنه واحد منهم !! ثم "انقلب" هذا الملعون عليهم.. وفتك بهم، وشردهم، وحدثت مجازر وحشية رهيبة لم تسمع بها مصر من قبل حتى في ظل الاحتلال الصليبي الإنجليزي !! فتح الزنازين - ذات مرة - وقتل الناس بداخلها.. لم يترك جريمة إلا واقترفها.. عاش الإخوان - في عهده - داخل السجون، وطاردهم في كل مكان !
ثم هلك هذا الطاغوت.. وجاء الطاغوت الخبيث السادات مكانه، فماذا كان رد فعل الإخوان ؟
* هل طالبوا بحقوق من مات من إخوانهم في السجون ؟
* هل كفروا بالطاغوت عبدالناصر ؟
* هل استأصلوا الناصرية والقومية العلمانية من مصر ؟
* هل حاكموا القتلة والمجرمين الذين ساموهم سوء العذاب ؟
كـــلا.. لم يحدث أي شيء من ذلك.. بل ترحموا على عبدالناصر، واعتبروا من يقول عنه كافر؛ منحرف عن منهج الإخوان وفيه من الغلو والتطرف.. ويقول ذلك نتيجة للتعذيب ! وطردوا من يقول بكفر عبدالناصر من الإخوان !!
وماذا فعل الإخوان مع السادات ؟
الطاغوت الخبيث السادات، كان قاضياً عسكرياً في عهد الهالك عبدالناصر.. ورغم ذلك تحالفوا مع السادات أو بمعنى أدق "استخدمهم" ولعب بهم السادات لضرب خصومه من الشيوعيين، فعلمانية السادات كانت ليبرالية، وعلمانية الناصرية كانت شيوعية اشتراكية، وعلمانية الإخوان بمسحة إسلامية !!
الخلاصة.. وإسقاطاً على هذا الواقع، الذي هو نسخة كربونية من انقلاب الهالك عبدالناصر:
إن الإخوان تنتظر ( الآن ) اللحظة التي يتغير فيها السيسي ليأتي "سادات" جديد، حتى ولو كان من جند السيسي لتتم صفقة معه، سواء أكان هذا السادات الجديد.. وجه عسكري، أو وجه علماني مدني، أو وجه توافقي إصلاحي، أو وجه ثوري نضالي، ولكن يا ترى الصفقة هذه المرة.. من أجل ماذا ؟! ليس هناك من خصوم شيوعيين لضربهم.. فأين سيتم "استخدام" الإخوان ؟! سيتم استخدامهم لضرب الجهاد وأهله !
وصورة الحكم بعدها ليست هي المشكلة - حتى ولو كانت بيافطة إسلامية - المهم عصب الحكم، وهيكل الدولة العسكرية، والقومية العلمانية.
ولمن يسأل عن مشروع الإخوان الإسلامي! :
(1) تحويل العلمانية العسكرية إلى العلمانية الديمقراطية.. وكاذب ملعون من يقول لك هناك ديمقراطية إسلامية. (2) تحويل العلمانية الإلحادية إلى العلمانية المتدينة.
وإذ لم يكن لمصر جهاد ؟ إذن.. فلا قيمة لهم، وإذ لم يكن لهم "وظيفة" و"استخدام" فسيظلون في السجون يهتفون: سلمية.. سلمية، حتى فناء شباب مصر البريء المغفل ! أو تأتي صفقة ما من رحم الغيب المجهول !
ولا عزاء لذيول الإخوان.. ومن تلوث بفكرهم !
فهلا استفاق الشباب من سُكر الغيبوبة، ومخدرات الجماعة قبل فوات الأوان ؟!
* * *
الثورة المنتظرة !
منذ إعلان براءة الطاغوت الملعون مبارك بدأت تتفتق عقول السفهاء والمجانين على حلم "ثورة جديدة" فهل هناك حقاً ثورة جديدة آتية في الطريق ؟!
دعونا أولاً نقر أنه لم يكن هناك ثورة قديمة أصلاً حتى تكون هناك ثورة جديدة.. كل ما حدث في يناير انتفاضة قوية وضخمة، ولنفترض أنها ثورة ولكنها ثورة لساعات معدودة قضي عليها.. بالتنحي للحفاظ على النظام، وبقي النظام لم يتزحزح عن الحكم ثانية واحدة.. وكل ما يحدث من شكليات وشعارات وكلام لا قيمة له في واقع الدولة ! وإن الثورات الحقيقية لا تكون سلمية، وتستأصل النظام القائم كله، وتقوم الثورة على انقاض النظام القديم، وهذا لم يحدث في مصر إطلاقاً. ( يراجع في هذه الجزئية.. الثورة الإسلامية.. كيف تنتصر الثورات، الثورة والجهاد، المقاومة والجهاد ).
إذن.. دعونا نعيد قراءة المشهد المصري:
* السيسي على رأس الحكم، ومسيطر على الجيش والشرطة والقضاء، وكل مفاصل الدولة.. الكلب الوفي لليهود، والخدام المطيع للصليب، ومنهما يستمد شرعيته ووجوده - وليس كما يحسب السفهاء من الشعب! - وهو يحاول أن يثبت لهم أنه خادمهم المطيع وأحسن من ينفذ أوامرهم.. بل ويتزلف هذا الطاغوت للكنيسة بقانون ضم أطفال الشوارع للكنيسة !! وسحق أهل سيناء من أجل عيون الصهاينة.. ولو طلبوا منه أكثر من ذلك لفعل تطوعاً !
* هل سينجح السيسي من خلال آلته العسكرية وقف تمدد الدولة الإسلامية في مصر بعد بيعة أنصار بيت المقدس.. هل ستنجح الآلة العسكرية وحدها ؟ أم ستحتاج إلى بديل فكري إسلامي ديمقراطي ؟ الواقع يقول: إن الآلة العسكرية وحدها تفشل! ولا بد من "مواجهة فكرية".. وبديل "إسلامي ديمقراطي علماني متدين"، وهذا ما يعجز عنه السيسي! هل سينجح السيسي في مواجهة "فكر الدولة الإسلامية" بالإلحاد والعلمانية وحدها، أم يحتاجون إلى دعم "إسلامي ديمقراطي أمريكاني" وما هي شروط دعم "الإسلام المدني الديمقراطي" هل يريد الحكم؟ أم جزء منه؟ وكيف يتعاملون مع السيسي والمؤسسة العسكرية؟ ترى كيف تتكون هذه الصفقة، وكيف يحل الصليب هذه المعادلة ؟!
* السخط الشعبي، والتظاهرات.. بل والثورات السلمية لا تسقط أنظمة، ولا حتى حكومات، فلو افترضنا أن هناك سخطاً شعبياً على السيسي من: الإخوان، والسلفية الإخوانية، والعلمانية، والليبرالية.. فهل هذا يُسقط السيسي ؟ الحقيقة لا.. كل هؤلاء نظرتهم مادية.. أي خطابهم السياسي مادي: انظروا السيسي ضيع البلد، الاقتصاد منهار، عسكر فاشلون، الجنيه ينهار...إلخ والصليب يعلم أن مصر منهارة ومتهالكة اقتصادياً، والسيسي يعلم أنها منهارة.. ولكنهم يريدونها هكذا.. لا تتجاوز مرحلة الخبز، ولا يجعلونها تغرق في فوضى غير مسيطر عليها.
* مصر جزء من دولة واحدة اسمها "الشرق الأوسط" تحكمها سياسة دولية وهيمنة صليبية، وتوازنات إقليمية.. فما يحدث في الدولة الإسلامية في العراق يؤثر بعنف وقوة على الدولة الأم "الشرق الأوسط" ويجعل الحاكم الفعلي للشرق الأوسط، يحرك قطعة هنا، وقطعة هناك.. لإعادة التوازن وإحكام السيطرة.. وما الحُكام إلا قطع من الحجارة على رقعة الصليب.. وما الشعوب إلا متفرج يجيد الصياح والهتاف بالرفض أو الموافقة - لا اعتبار لهم ابتداء - إلا من نوّر الله قلبه بنور الوحي.
* لنفترض أن السيسي.. سقط، وأنه جاءه مكالمة هاتفية من سيده الصليبي.. أن اترك الحكم، لا يملك السيسي عندها إلا أمرين: (1) أن يقول سمعت وأطعت ويمده رأسه بالسجود لهم. (2) أن يحاول أن يثبت أنه الأجدر والأوفى بهذا المكان.. وأن ما يفكر فيه الصليبي من بديل يستطيع أن يفعل خيرا منه.. ويثبت ذلك بالأمثلة العملية.
* لنفترض أن القرار حُسم بتنحي السيسي مثل مبارك، وتم تهيئة الأجواء الثورية لأجل هذا الحدث الخطير الجلل الذي ينتظره الإخوان وغيرهم بفارغ الصبر.. وأن بديل السيسي يتحضر له من الآن: وجه علماني ليبرالي، أو علماني متدين، أو علماني بقناع إسلامي، أو علماني وطني، أو علماني نضالي ثوري.. يستمد أيضاً شرعيته من الصليب الأمريكي والمجتمع الدولي.. ولكن هذا الوجه هذه المرة سيكون: ناعماً حنوناً ديمقراطياً مدنياً.. يُنحي العسكر عن "ظاهر" الحكم.
فما الذي استفادته مصر ؟ وما هو موقف الإسلام ؟
مصر لن تستفيد شيئاً، فالجميع عسكرياً علمانياً أو مدنياً علمانياً خاضع لهيمنة الصليب، ولا يجرؤ على عصيان أمره، فالجميع يأتي بإذنه وآلياته وتحت سمعه وبصره.. وسيظل هيكل الدولة "العلمانية القومية العسكرية" هو الأصل والأساس والجذور، وسيظل الجيش هو الذي يحكم، وسيظل يحصل على امتيازاته كاملة.. ولقد حصل عليها - بل وزيادة - إبان حكم الرئيس مرسي.. ورغم أنها مدة قصيرة جداً، ورغم أنهم يحضرون للانقلاب عليه منذ بدأ الانتخابات.. إلا أنهم لم يتركوا حتى التفاصيل التافهة.. المهم ليس من يجلس على كرسي الحكم.. المهم من يحمل كرسي الحكم، ومن يتحكم في حركة الكرسي!
أما موقف الإسلام:
الإسلام يحارب العلماني المتدين، والعلماني بقناع إسلامي، والعلماني الليبرالي، والعلماني النضالي الثوري.. مثلما يحارب العلماني العسكري.. لا فرق بينهم في الإسلام مهما اختلفت أقنعتهم وصورهم.. الإسلام يستأصل العلمانية من أعماق جذورها الخبيثة، ويفكك الدولة العلمانية القومية.. ويرد الناس إلى الاجتماع على الإسلام، والانتساب للشرع، والتحاكم إليه، يعلو، ولا يُعلى عليه، ويحارب كل الطواغيت.. سواء أكان طاغوتاً عسكرياً أو مدنياً أو ديمقراطياً.. وسواء أحسن إلى شعبه أو أساء.. يحاربهم جميعهم ويرد الأمر كله لله!
إن الإسلام يحارب الطاغوت العسكري ويسقطه، كما يحارب الديمقراطية العلمانية ويسقطها.. ولو أن هذه الديمقراطية جعلت أعمدة الإنارة - في الشوارع - من الذهب فإن الإسلام يسقطها ويرد الحكم والتحاكم والسيادة لله وحده لا شريك له.. وسواء نجحت الديمقراطية في البلدان المسلمة أو فشلت، فإن الإسلام يعمل على استئصالها، وإقامة دولة الإسلام.. يكون شرع الله فيها يعلو ولا يُعلى عليه رغم أنف الجميع، فهو حق الله على عباده، ولكن من يَدين بالإسلام الأمريكاني العلماني - حيث أمريكا تلغي الشرع والحدود والولاء والبراء والجهاد، وتبقي لهم على الشعائر - لا يرى في الإسلام ذلك!
إن الإسلام يحارب الطاغوت العسكري، مثلما يحارب الطاغوت الديمقراطي، مثلما يحارب الطاغوت المستبد، مثلما يحارب الطاغوت العلماني.. كلمهم سواء!
الإسلام يقاتل الطاغوت بعيداً عن ما يلبسه من شعارات أو يختاره من مناهج أو صور.
* * *
وإن هناك مواجهة حتمية بين المؤمنين بالله، وبين الطاغوت والمؤمنين به.. يكون فيها:
(1) مواجهة قتال: { الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } [النساء : 76]
(2) مواجهة فكرية: { يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف : 8]
والنتيجة النهائية محسومة: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } [المجادلة : 21] { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر : 51]
وهناك جماعة تؤمن بالله.. وتؤمن بالطاغوت في نفس الوقت..! موقفها من الطاغوت مهتز متردد حسب المصلحة.. تؤمن ببعض الطواغيت وتكفر ببعض.. أو لا تقول ابتداء أنه طاغوت، أو لا تعترف أصلاً بمفردات المعركة العقيدية معه.. بل تجعلها معركة سياسية! وإذا استخدمت مفردات الإسلام - أحياناً - إنما للتخديم على مواقفها السياسية، ومخاطبة الجماهير بما يحركهم! وهؤلاء هم موطن الفتن والبلاء، وهؤلاء هم الذين يتسببون في سفك دماء المسلمين.. ويؤدي مسلكهم إلى ظهور الطاغوت حياناً من الدهر، وهم الذين يعطون "شرعية" للطاغوت بمشاركتهم إياه، وهم الذين يُطيلون أمد المعركة مع الطاغوت.. ويمثلون روافد مهمة وداعمة له.. وهم ليسوا من جند الطاغوت.. بل أدنى درجة.. خدم لجند الطاغوت "صحوات" فكرية وقتالية حسب طبيعة المعركة !
وكما نرى الإيمان بالله طريق سهل واضح، ومعرفة الطاغوت أمر سهل بيّن.. وبينهما منافقون يدلسون، ويكذبون، ويحاولون الجمع بين صراط الله المستقيم، وطريق الطاغوت اللعين.. فيضيع الناس، وتكثر الفتن، ويختلط الحق بفعل المنافقين !
لكنها معركة حتمية.. محسومة النتائج ! ولا بد من التمحيص، ولا بد من هتك ستر المنافقين.. ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.. ولا بد من اتخاذ الشهداء !
فهلا أدرك الشباب.. حقيقة المعركة، وطبيعة الصراع، واستحقاقات شهادة التوحيد.. أم يمضي وقوداً لمعركة العلمانية.. ويحسب أنها معركة الإسلام ؟!!
* * *