كتب محمد سيف الدولة:
(( اتصور ماسك بيضة أو بتبوس بقرة ))
(( و ازرع شجرة تطلع فى الكاميرا و بعد ما تمشى تموت ))
بهذه الأبيات من قصيدة "المد و الجزر" سخر عبد الرحمن الأبنودي منذ 33 عامًا، من نظرة السلطة و فلسفتها تجاه الشعب، و كيف تضللهم و تستخف بعقولهم، بلا أدنى خجل أو حياء أو مواربة أو حتى إتقان و إجادة لفنون التضليل و غسل الأدمغة.
إنها فلسفة لا تهم فيها الحقيقة أو العدالة، و لا القانون و الحقوق و الحريات، و لا الانحيازات الشعبية و الطبقية، و لا البرامج و المواقف السياسية، و لا الثورة و الثوار، و لا الشهداء و القصاص، و لا القيم الأخلاقية أو الثوابت الوطنية أو العدالة الاجتماعية او المبادئ الديمقراطية، و لا طبيعة التحالفات الاستراتيجية، أو عمق علاقات التبعية، أو حميمية العلاقات المصرية الاسرائيلية. و لا يهم استقلال القضاء أو فصل السلطات أو نزاهة الانتخابات أو ضمانات تداول السلطة أو المشاركة العادلة فى الثروة. و لا تهم بالطبع حرية الرأي أو الإعلام ... الخ. و لكن المهم هو شكل السلطة و صورتها أمام الرأي العام .
فهي تتصرف وفق قاعدة:
(( افعل ما تشاء و لكن قل للناس ما يريدون، و ارفع لهم ما يحبون من مانشيتات و شعارات و يافطات ))
فيافطة صغيرة تخفى بلاوي كثيرة؛ تستطيع بيافطة واحدة أن تحول وحدة عسكرية إلى سجن تابع للداخلية و بأثر رجعي أيضًا.
أو أن تفرج عن قتلة آلاف المتظاهرين بيافطة "الإجراءات"
و أن تقتل من تشاء تحت يافطة "الطرف الثالث"
و أن تسمى البلطجية "بالمواطنين الشرفاء"
و تحت يافطات "القضاء الشامخ" و "لا تدخل و لا تعليق على أحكام القضاء" تستطيع أن تصدر أحكام إعدام بالجملة، و تسجن الناس لعشرات السنين.
و أن تخفى حزن الناس و خوفهم و غضبهم بالرقص أمام اللجان الانتخابية
و أن تختزل أزمات مصر و تطمسها بأغنية وطنية من النوع الركيك
و أن تحظر المظاهرات و تمنعها بقانون تسميه "تنظيم حق التظاهر"
و أن ترفع الدعم و تفقر الناس لإرضاء نادى باريس و صندوق النقد الدولي تحت يافطة "إصلاح الاقتصاد و الميزانية"
و أن تعدم ثورة عظيمة و أحلام كبرى بجرة قلم تحت يافطة "مقاومة الفوضى"
بل و أن تعصف بالثورة باسم "الثورة"
و أن تفرض القهر و الاستبداد و تعصف بالحقوق و الحريات تحت يافطة "الأمن و الاستقرار و هيبة الدولة"
و أن تتهم خيرة الشباب "بالعمالة"
و أن تجتث تيارا سياسيا كاملا بحجة " مكافحة الإرهاب"
و أن تحمى النظام و مصالحه و طبقاته ضد أي نقد أو معارضة تحت يافطة "الدفاع عن وجود الدولة"
و أن تقود ثورة مضادة تحت يافطة "خريطة الطريق"
و أن تفرض إرادة السلطة تحت يافطة "الإرادة الشعبية"
و أن تؤمم الإعلام بمنابره الصحفية و الفضائية تحت يافطة "الإعلام المسئول"
و أن تطمس الحقائق تحت يافطة "لجان تقصى الحقائق"
و أن تعصف بحقوق الإنسان بقيادة و إشراف "منظمات حقوق الانسان"
و أن تمارس أردأ أنواع النفاق و الانتهازية و التأليه تحت يافطة "شعبية الزعيم"
***
إنها فلسفة الدولة و النظام و السلطة و القائمين عليهم و حلفائهم و التابعين لهم و أتباع التابعين منذ عقود طويلة.
فلقد استبيحت البلاد للنهب الراسمالى العالمى تحت يافطة "الاستثمارات الأجنبية"
و للنهب الداخلى و احتكار الثروة تحت يافطات "رجال الأعمال و الاقتصاد الحر و ريادة القطاع الخاص"
و كل أنواع التبعية للأمريكان مورست تحت الشعارات الوطنية و "تحيا مصر"
و تم بيع فلسطين باسم "السلام"، و رفعت يافطة "اسرائيل" فوق أرضها الطاهرة.
و تم العصف باستقلال مصر و سيادتها و كرامتها تحت يافطة "مصر أولا"
و تم تجريد ثلثى سيناء من القوات و السلاح تحت يافطة "مصر دولة كبيرة تحترم التزاماتها الدولية"
و حماية امن اسرائيل تحت يافطة "الأمن القومى لمصر"
و رفع قادة التفريط والتبعية و الاستسلام يافطات "أبطال الحرب و السلام و الضربة الجوية الاولى"
و تم الترويج للتمديد لمبارك او التوريث لجمال تحت يافطة "التعديلات الدستورية 2007"
و تزوير الانتخابات يتم دائما تحت يافطة "أكثر انتخابات نزيهة تشهدها البلاد"
***
كفانا كذبا و تضليلا، فالناس ضجت و زهقت و على آخرها و لن تقبل أن تعيش هذا الهم مرة أخرى.