كتب أحمد طه:
الوهم الموعود
عندما كان المنافقون يلقون على مسامع المسلمين حديث الخلافة: "ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" لم يكن يعنيهم "كيفية" عودة هذه الخلافة.. كل ما في الأمر هو عملية "تخدير" للمسلمين عن آلامهم، و عذاباتهم.. أنه في الغيب المجهول ستأتي "خلافة" تنتشلهم من عذاباتهم، و جراحهم.. و تفتح لهم أبواب الخير و النعيم و الملذات "ببركة" أنهم مسلمين!!! كان – و ما زال المنافقون - يخدرون الناس عن مواجهة الطاغوت، و فساده، و إفساده عن طريق "الوهم الموعود" و هي نفس طريقة الحديث عن "المهدي المنتظر" أنه سيأتي هو و الخلافة ليحقق لهم الأحلام و الآمال بطريقة سحرية غامضة الأسباب.. ليس عليهم فيها تكاليف و لا جهاد و لا معاناة.. و كأن الخلافة و المهدي هي "منحة ربانية" - تهبط من السماء - بعد المعاناة و الآلام التي سببها قعودهم عن الجهاد.
و لأن الناس عندما تقعد، و تنتظر المعجزة.. تتكلس عقولها، و تفتر عزائمها، و تموت أرواحها، و تترهل نفوسها، و تجف قلوبها، و تبحث عن طريقة ما للتكيف مع الطاغوت، أو الإستفادة الشخصية منه، أو تجنبه قدر الإمكان.. و يتملكها "الخوف" و باستمرار الخوف الرعب.. تتضخم صورة الحياة الدنيا في النفس، و تخاف المواجهة، و تقع في أسر الاستسلام لقوى الطاغوت المادية؛ فتكون "أحرص" الناس على حياة، حتى و لو كانت حياة ذليلة !
و لما يأتيها "الوعود المنتظر" بالجهاد و الخلافة تكون أول من يحاربه.. و إذ ظلت هي تنتظرها، و تطلبها، و تشكو غيابها.. إلا أن تكيفها مع الوضع الفاسد القائم، يجعلها تتكاسل و تنفر من المواجهة، و تنهض لا لتواجه الطاغوت، و لكن لتحارب من يريد تحريرها من الطاغوت !
و لا يستجيب إلا "ذرية" من الشباب الذي لم تمت روحه بعد، و الذي لم يتلوث بالتكيف مع الوضع القائم..
هكذا فعل بنو إسرائيل.. لما جاءهم من يريد تحريرهم و إنقاذهم.. لم يقولوا ربنا لك الحمد أن رضيت عنا، أو ربنا لك الحمد أن أذنت بتحريرنا، أو ربنا لك الحمد أن أرسلت إلينا من يوحد كلمتنا، و يحيي ديننا، و يعيد عزتنا و كرامتنا.. كلا.. كل ما شغلهم هو: { أنى يكون له المُلك علينا و نحن أحق بالملك منه }
كل ما شغلهم أمرين: (1) التفلّت من الجهاد و تكاليفه. (2) الملك و المتاع و قياس الأمر بالمادة و المال.
و الأمة تسير في سنن أهل الكتاب - اليهود و النصارى - شبرا بشر و ذراعاً بذراع.. و تمضي فيما وقعوا فيه من باطل و إفساد..
و لكن الحمد لله أن جعل لهذه الأمة أمرين: (1) أن تظل فئة ظاهرة على الحق. (2) أن يظل الجهاد ماض إلى يوم القيامة. فلا يضيع الحق، و لا يطبق الذل على الأمة كلها.. فيبقى لها مخرج لطريق النور في بحور الظلمات.. إنه صراط الله المستقيم.