كتب الشيخ عبد المجيد الهتاري:
كلمات في المنهج
في المنهج العلمي الأصولي الإسلامي يختلف العلماء في حكم مسألة ما فيلجأ الجميع إلى الحجة و الاستدلال لعلمهم أن الاستدلال هو الأصل في بناء المسائل عليه و ليس التعبير المجرد عن الرأي كما في الدين الديمقراطي، و الحجة المتفق عليها هي كتاب الله و سنة رسوله الصحيحة و الإجماع أو القياس المستوفي لشروط صحته و لا أحد منهم يمكن أن يقول رأيا من دون أن يسنده باستدلال و بعد الاستدلال من الجانبين يناقش كل منهما صاحبه في سلامة الاستدلال بعد صحة الدليل كما سبق من كونه كتابا أو سنة صحيحة أو إجماع أو قياس فلا يناقش الاستدلال بالقرآن من حيث أن الدليل منه هل هو صحيح أم غير صحيح لأن النقاش في هذا كفر و لكن السنة يناقش الحديث هل هو صحيح أي استوفى شروط الصحة من كونه متواترا أو آحادا مرويا بطريق السند الموثق و المعدل رجاله الضابطون لما رووه متصل السماع بعضهم من بعض من عصر صاحب الكتاب الجامع للحديث إلى عصر النبي صلى الله عليه و سلم كالبخاري أو مسلم مثلا أم هو غير صحيح لفقدان شرط من هذه الشروط و تفاصيل هذه الشروط تذكر في ما يسمى عند العلماء بعلم المصطلح أو علم الحديث رواية و دراية .
و بعد ذلك يناقش وجه الدلالة من الحديث من كونه ظاهر الدلالة على ما استدل به المستدل و هذا الأمر يدخل فيه القرآن فكيفية الاستدلال بالطريق السليم يشترك فيه القرآن و الحديث حيث تتعلق بذلك كون الدلالة قطعية أم ظنية و كون الدليل باق أم منسوخ و هل دلالته عامة أم خاصة فلا يستدل بالخاص على العام و لكن يستدل بالعام على الخاص إلا إذا أخرج بدليل خاص و هل دلالته مطلقة أم مقيدة إلى ما هنالك من أنواع الاعتراضات عند المناظرات بين العلماء و لم يزل أهل العلم من المسلمين على هذا المنهج الذي يجعل أهل العلم منضبطين بصحة الحجة و سلامة الاستدلال بها و ذلك لأن هذا الحال مبني على أن السيادة التشريعية هي لله و العالم مبلغ فقط عن الله فلهذا يخضع للمحاسبة في صحة الدليل و نسبته إلى الله و في صحة الاستدلال المأخوذ من الدليل على قواعد اللسان العربي و الأصول التشريعية حتى جاءت الديمقراطية فأسندت الحجة إلى أصوات الشعب فيما يجوز و ما لا يجوز و جعلت صوت العالم كصوت الجاهل و أباحت القول على الله بدون علم بحجة أن له أن يعبر عن رأيه فساوت بين أجهل الناس و أعلم الناس و ليس هذا فحسب بل قدمت الأصوات الكثيرة و لو كانت لجهال على الأصوات القليلة و لو كانت لأكابر العلماء فأي دين في تحليل أو تحريم يقوم على دين الديمقراطية و قيمها حتى لو كان في صالح الإسلام كالتصويت الموافق للتحريم أو التحليل الشرعي فإنه باطل لأنه بني على باطل و أسند إلى غير أصل أو أسند إلى أصل باطل شركي كجعل السيادة التشريعية لغير الله كالشعب أو المجلس التشريعي المنتخب من قبل الشعب .