اخر الاخبار

الثلاثاء , 9 ديسمبر , 2014


قصيدة اللغة العربية تنعى حظها
------------------------------

رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي -- و ناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي

رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ و ليتني -- عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي

وَلَدْتُ و لمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي -- رِجَالاً وَ أَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتي

وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً و غَايَةً -- وَ مَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بهِ وَ عِظِاتِ

فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ -- و تنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاتِ

أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ -- فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي

فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَ تَبْلَى مَحَاسِني -- وَ مِنْكُم وَ إِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتي

فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني -- أَخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَحِينَ وَفَاتي

أَرَى لرِجَالِ الغَرْبِ عِزَّاً وَ مِنْعَةً -- وَ كَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ

أَتَوا أَهْلَهُمْ بالمُعْجزَاتِ تَفَنُّنَاً -- فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بالكَلِمَاتِ

أَيُطْرِبُكُمْ مِنْ جَانِبِ الغَرْبِ نَاعِبٌ -- يُنَادِي بوَأْدِي في رَبيعِ حَيَاتي

وَ لَوْ تَزْجُرُونَ الطَّيْرَ يَوْمَاً عَلِمْتُمُ -- بمَا تَحْتَهُ مِنْ عَثْرَةٍ وَ شَتَاتِ

سَقَى اللهُ في بَطْنِ الجَزِيرَةِ أَعْظُمَاً -- يَعِزُّ عَلَيْهَا أَنْ تَلِينَ قَنَاتي

حَفِظْنَ وَدَادِي في البلَى وَ حَفِظْتُهُ -- لَهُنَّ بقَلْبٍ دَائِمِ الحَسَرَاتِ

وَ فَاخَرْتُ أَهْلَ الغَرْبِ، وَ الشَّرْقُ مُطْرِقٌ -- حَيَاءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِرَاتِ

أَرَى كُلَّ يَوْمٍ بالجَرَائِدِ مَزْلَقَاً -- مِنَ القَبْرِ يُدْنيني بغَيْرِ أَنَاةِ

وَ أَسْمَعُ للكُتّابِ في مِصْرَ ضَجَّةً -- فَأَعْلَمُ أنَّ الصَّائِحِينَ نُعَاتي

أَيَهْجُرُني قَوْمي عَفَا اللهُ عَنْهُمُ -- إِلَى لُغَةٍ لم تَتَّصِلْ برُوَاةِ

سَرَتْ لُوثَةُ الإفْرَنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى -- لُعَابُ الأَفَاعِي في مَسِيلِ فُرَاتِ

فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً -- مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ

إِلَى مَعْشَرِ الكُتّابِ وَ الجَمْعُ حَافِلٌ -- بَسَطْتُ رَجَائي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتي

فإمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ في البلَى – وَ تُنْبتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتي

وَ إِمَّا مَمَاتٌ لا قِيَامَةَ بَعْدَهُ -- مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بمَمَاتِ

..................................................................................................
عُرِفَ حافظ إبْرَاهِيم بموقفه ضد المستعمر في حربه ضد اللغة العربية

و اسمحوا لنا أَن ننقل لكم شرح لهذه القصيدة الجميلة التى تنعى لغتنا الجميلة:

اللغة العربية تتحدث عَنْ نفسها

هذه القصيدة قالها شاعر النيل " حافظ إبْرَاهِيم " مدافعا و منافحا عَنْ اللغة العربية، اللغة التي يفتخر بِهَا العرب و المسلمون و يعتزون بِهَا، فهي تحفظ كتابهم و تشريعهم، و تعبر عَنْ علومهم و آدابهم... حين تَعَالَى الهمس و اللمز حولها فِي أوساط رسمية و أدبية، وَ عَلَى مسمع و مشهد من أبنائها و اشتد الهمس و علا، و استفحل الخلاف و طغى، فريق يؤهلها لاستيعاب الآداب و المعارف و العلوم الحديثة، و فريق جحود، يتهمها بالقصور و البلى و بالضيق عَنْ استيعاب العلوم الحديثة... و لكن حافظاً الأمين عَلَى لغته الودود لها يصرخ بوجوه أولئك المتهامسين و الداعين لوأدها فِي ربيع حياتها بأن يعودوا إِلَى عقولهم و يدركوا خزائن لغتهم فنظم هذه القصيدة يخاطب بلسانها قومه و يستثير ولاءهم لها و إخلاصهم لعرائسها و أمجادها فيقول :

رَجَعْتُ لنفسي فاتَّهَمْتُ حَصَاتي -- و ناديتُ قَوْمي فاحْتَسَبْتُ حَيَاتي

رَمَوْني بعُقْمٍ في الشَّبَابِ و ليتني -- عَقُمْتُ فلم أَجْزَعْ لقَوْلِ عُدَاتي

وَلَدْتُ و لمّا لم أَجِدْ لعَرَائسي -- رِجَالاً وَ أَكْفَاءً وَأَدْتُ بَنَاتي

فِي هذه القصيدة شخص الشاعر اللغة العربية أي جعلها شخصا يتكلم عَنْ نفسه، بل جعلها أُمَاً تنعى عقوق أبنائها لها، و تعلن دهشتها من أبنائها الَّذِينَ يخوضون فِي هَذَا الْحَدِيث الظالم ضدها فَتَقُول: بعدما سمعت الضجة الْكُبْرَى و الحملة الجائرة ضدي رجعت لنفسي و اتهمت عقلي و لكن تبين كذب مَا يقولون، فعلمت أنهم يريدون وأدي، فناديت قومي و احتسبت حياتي عِنْدَ الله فيما يدخر، فهم قَدْ اتهموني بالعقم (وَ هُوَ مرض يصيب المرأة و الرجل) فِي شبابي و ليتني حقيقة عقمت فَلَمْ أجزع لقول أعدائي، و لكنني أنا الودود الولود تتجدد فِي كل عصر و زمان... فقد ولدت الكلمات و العبارات و لكن لَمْ أجد لها الرجال الأكفاء الجديرين بِهَا الحريصين عَلَى إظهار مكنوناتها فوأدتها وَ هِيَ حية .

وَسِعْتُ كِتَابَ الله لَفْظَاً و غَايَةً -- وَ مَا ضِقْتُ عَنْ آيٍ بهِ وَ عِظِاتِ

فكيفَ أَضِيقُ اليومَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ -- و تنسيقِ أَسْمَاءٍ لمُخْتَرَعَاتِ

أنا البحرُ في أحشائِهِ الدرُّ كَامِنٌ -- فَهَلْ سَأَلُوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتي

و ما زالت اللغة تتحدث عَنْ نفسها و تتعجب ممن اتهمها فَتَقُول أنا التي وسعت كتاب الله (لفظاً و غايةً)، فكيف لي الْيَوْم أَن أضيق عما دونه كالتعبير عَنْ وصف لآلة أَوْ تنسيق أسماء لمخترعات التي لا تساوي شيئا أمام مَا جاء بِهِ القرآن من معان و ألفاظ، فأنا البحر الذي كَمُن فِي جوفه الدر فهل ساءلوا أهل اللغة العالمين بِهَا عَنْ صدفاتي...

فيا وَيْحَكُمْ أَبْلَى وَ تَبْلَى مَحَاسِني -- وَ مِنْكُم وَ إِنْ عَزَّ الدَّوَاءُ أُسَاتي

فلا تَكِلُوني للزَّمَانِ فإنَّني -- أَخَافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَحِينَ وَفَاتي

أَرَى لرِجَالِ الغَرْبِ عِزَّاً وَ مِنْعَةً -- وَ كَمْ عَزَّ أَقْوَامٌ بعِزِّ لُغَاتِ

أَتَوا أَهْلَهُمْ بالمُعْجزَاتِ تَفَنُّنَاً -- فَيَا لَيْتَكُمْ تَأْتُونَ بالكَلِمَاتِ

فِي هذه الأبيات توبخ اللغة العربية أبناءها بقولها ويحكم أفنى و تفنى محاسني و منكم و إن قلّ الدواء أطبائي!، ثُمَّ تستفهم مستنكرة أيهزكم و يفرحكم من جانب الغرب صوت الغراب الذي ينادي بدفني حية و أنا فِي ربيع حياتي؟، فأنا أرى فِي كل يوم فِي الجرائد زلة و خطأ يدنيني للقبر بغير حلم و لا رفق، و أسمع للكتاب فِي مصر ضجة و تقصد الحملة الجائرة التي قامت فِي مصر وَ هِيَ الدعوة إِلَى العامية فأعلم أَن هَؤُلاءِ الصائحين و المنادين هم الَّذِينَ ينقلون خبر وفاتي .

أَيَهْجُرُني قَوْمي عَفَا اللهُ عَنْهُمُ -- إِلَى لُغَةٍ لم تَتَّصِلْ برُوَاةِ

سَرَتْ لُوثَةُ الإفْرَنْجِ فِيهَا كَمَا سَرَى -- لُعَابُ الأَفَاعِي في مَسِيلِ فُرَاتِ

فَجَاءَتْ كَثَوْبٍ ضَمَّ سَبْعِينَ رُقْعَةً -- مُشَكَّلَةَ الأَلْوَانِ مُخْتَلِفَاتِ

ثُمَّ عادت إِلَى عتاب أبنائها باستفهام استنكاري يحرك القلوب فَتَقُول أيهجرني قومي. عفا الله عَنْهُمْ. إِلَى لغة غريبة لا تمت وَ لَمْ تتصل برواة. هذه اللغة التي سرت فِيهَا لوثة الافرنج أي مَا داخلها من ألفاظ أجنبية كَمَا سرى لعاب الأفاعي فِي مسيل الماء الشديد العذوبة، و هنا تشبيه ضمني حَيْثُ شبه سريان و دبيب لوثة الأفرنج (الألفاظ الأجنبية) فِي اللغة و تلويثها لها كسريان و دبيب سم الأفاعي فِي مجرى الماء الشديد العذوبة فجاءت هذه اللغة التي يريدونها مثل الثوب الذي ضم سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفة.

إِلَى مَعْشَرِ الكُتّابِ وَ الجَمْعُ حَافِلٌ -- بَسَطْتُ رَجَائي بَعْدَ بَسْطِ شَكَاتي

فإمَّا حَيَاةٌ تَبْعَثُ المَيْتَ في البلَى – وَ تُنْبتُ في تِلْكَ الرُّمُوسِ رُفَاتي

وَ إِمَّا مَمَاتٌ لا قِيَامَةَ بَعْدَهُ -- مَمَاتٌ لَعَمْرِي لَمْ يُقَسْ بمَمَاتِ

وَ فِي نهاية القصيدة ، وَ بَعْدُ أَن بسطت شكواها ها هي تبسط رجاءها و تقول: إِلَى معاشر الكتاب و العالمين بِهَا، عليهم أَن يؤمنوا بلغتهم العربية، و أن يلجوا أبوابها الواسعة المفتوحة؛ ليجدوا فِيهَا السعة و الرحابة بكل جديد و عتيد، و يعودوا إليها فيبعثوا حياتها و إمّا ممات لا قيامة بعده و تقسم أَن هَذَا الممات لَمْ يقس بممات، فموت اللغة العربية ليس كموت أي لغة، فموتها هُوَ موت للأمة الإسلامية و المسلم يُعْرَفُ ذَلِكَ .


رحم الله حافظ إبراهيم


القراء 1299

التعليقات


مقالات ذات صلة

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((( الأسد المركوب )))

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((المطبخ))

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( الناس))

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((مسوخ أرض عاميس))

حروف ممنوعة بقلم/ هشام حسن الببغاوات

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((قفا نبك من ذكرى آخر أسهمى))

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((عصا وأرجوز))

حروف ممنوعة _ هشام حسن الخوازيق

تعقيباً على لقاء أجناد مصر بقلم/ إحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((خووووووووود))

القرآن المهجور : بول الإبل بقلم ا.د محمد أبوزيد الفقى

القرآن المهجور : بول الإبل بقلم ا.د محمد أبوزيد الفقى

دولة ‫‏الخلافة‬ لا يعاديها أحد إلا فضحه الله بقلم/ الشيخ عبد المجيد الهتاري الريمي

طواغيت، منافقون، عبيد بقلم/ أحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( السفينة ))

الإرهاب و السحر عند الفراعنة

ﻓﻲ ﻇﻼﻝ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ

بروتوكولات حكماء العرب البروتوكول الثاني

هجمات باريس وإرهاب الإسلام - حسن أبو هنيّة

هل حان الوقت لكي نفهم ؟ بقلم المستشار/ محمد يوسف عدس

الايدولوجيا و الدين و المسلمين و الحرث في الماء بقلم المهندس/ خالد غريب

الايدولوجيا و الدين و المسلمين و الحرث في الماء بقلم المهندس/ خالد غريب

تأملات في الواقع بقلم/ حسين بن محمود

النماذج الثلاثة

عبادة الرموز و تقديسها بقلم/ أيمن إمام

بروتوكولات حكماء العرب الجنس الثالث..!!.. البروتوكول الخامس د. محمد عباس

التعصب للجماعات يعمي البصيرة حتى و لو كانت الجماعة جماعة مجاهدة

جاءت الملاحم يامسلمون فتهيئوا لها

انتصارات الدولة الإسلامية وشعبيتها

غلام الجاهلية

انتهت مرحلة الردود على الشبهات بقلم أحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن ((الرجل ذو الألف مسبحة))

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( الفلاشة ))

طه عبد الرحمن، السياسة والترجمة: أي معنى للإبداع؟

سلسلة قبل الغروب عوامل السقوط الحضارة و التخلف

لماذا فشلت الثورات العربية؟ أحمد طه

حروف ممنوعة _ هشام حسن (( ليلة التاسع من نوفمبر ))

تعليقاً على المصالحة المصرية القطرية.. أحمد طه

و إذا كان العرب أغبياء فلم نلوم الغير ؟

تعليقاً علي خبر القبض على شاب وفتاة بالمترو تحدثا بالإنجليزية



خريطة الموقع


2024 - شبكة صوت الحرية Email Web Master: admin@egyvoice.net