البروتوكول الثامن
سوف أحدثكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات اليوم عن موضوع بالغ الأهمية –.. وأرجو أن تدركوا أن كل البروتوكولات بالغة الأهمية- لكن أهمية هذا الموضوع في أنه يعطى لكم مفاتيح في الرد على بعض الأسئلة المحرجة التي قد تتعرضون لها في مؤتمر صحفي أو حديث تليفزيوني أو أي مناسبة من تلك المناسبات التي يفرضها اصطناع الشكل الديموقراطي الذي يفرضه النظام العالمي الجديد عليكم..
إن الأمر ليس أمر ذكاء ولا علم ولا سرعة بديهة.. الأمر إعداد متقن.. وفى سبيلكم لهذا الإعداد عليكم أن تغيروا من تركيبة المجتمع في بلادكم.. لقد درج الأمر في المجتمعات الأخرى أن تكون نخبة المجتمع والشريحة العليا فيه ممثلة لأقل من 1% من المجتمع.. وتمثل الحثالة والغوغاء نسبة 20 أو حتى 25% من الشعب.. الباقي من هذا وذاك تمثله الطبقة المتوسطة.. وهذه التركيبة للمجتمع غير صالحة بالنسبة لكم..بل إنها أخطر ما يكون.. ذلك أن النخبة لن تصدقكم – -ولن تكف في نفس الوقت عن تأييدكم - مهما قلتم أو فعلتم.. أما الحثالة فلن تكذبكم – كما لن تعارضكم – مهما قلتم أو فعلتم.. المصائب كلها تأتى من الفئة المتوسطة .. الطبقة المتوسطة.. فهي وعاء دين المجتمع وقيمه وفلسفته وثقافته وذاكرته ووعيه وتاريخه.. منها العلماء والمفكرون والشيوخ والفلاسفة والكتاب والصحافيون والفنيون والمهنيون والجيش والنيابة والقضاء والمعلمون إلى نهاية هذه السلسلة التي تشكل العمود الفقري للمجتمع.. ولكي تأمنوا على عروشكم فإن عليكم القيام بتحطيم هذه الطبقة تحطيما..لأنها هي التي تستطيع أن تفكر وتؤيد وتعارض.. وهى التي تستطيع أن تزلزل عروشكم عندما تكتشف خياناتكم –.. - إنني هنا أستعمل مصطلحاتهم الإرهابية المريضة- .. لكن كيف تحطمونهم.. ليت الظروف كانت تسمح أن نسحقهم بالدبابات أو نبيدهم بالطائرات أو أن نلقى بهم جميعا في غياهب السجون.. لكن الظروف لا تسمح أبدا بمثل هذا.. كما أن نشر السموم في الغذاء عن طريق المبيدات والمخصبات قد يستغرق أجيالا حتى يؤتى أكله.. لذلك أقدم لكم الحل البديل.. انتقوا من الطبقة المتوسطة 2 أو 3 أو حتى 5% وضموهم إلى النخبة.. أما الباقي منهم فاسحقوهم كي يكونوا من الحثالة والغوغاء.. إن توسيع طبقة النخبة سوف يثير في الطبقة المتوسطة حمى كحمى الذهب.. سوف يحاول معظمهم أن يفوز بالغنيمة.. وفى محاولتهم تلك لن ينكصوا عن جريمة.. تريدون قائدا يعتمد صفقة أسلحة فاسدة.. سيتنافس على الاعتماد مائة قائد.. تريدون قاضيا يحكم لكم بالباطل.. قاضيا تكتبون له الحكم قبل أن تبدأ المحاكمة ويكون كل جهده في إتقان التمثيلية لا أمام الغوغاء والرعاع بل أمام العالم الخارجي الذي ينظر ويرصد ويتحفز.. ستجدون ألف قاض.. تريدون محاميا للشعب أو مدعٍ عامٍ يتلقى التعليمات من أصغر خادم في الحاشية ويخشى أن يعارض أصغر شرطي .. ستجدون.. تريدون رجل دين يبيع دينه بأبخس ثمن .. ستجدون.. تريدون رئيسا لنادي العدالة يسحق العدالة بحذائه ويمزقها بزنده.. ستجدون.. تريدون مربيا يربى على الضلالة والفسوق .. ستجدون.. لن تجدوا فقط.. بل سيتنافسون تحت أقدامكم كي ينضموا للنخبة.. إنكم بهذه الطريقة تصطادون ألف عصفور بحجر واحد.. لأن توسيع قاعدة النخبة سينقل بأسهم ليكون بينهم.. وفى أتون التنافس والصراع سوف يحاول كل منهم أن يثبت ولاءه لجلالاتكم وفخاماتكم أكثر وأكثر كي يستمد منكم العون على خصومه.. وكلما اشتدت ضراوة التنافس بينهم كلما ارتفعت قيمتكم.. ليس على النحو المباشر المتمثل في الربح منهم.. بل على النحو الأهم.. ذلك أن توسعة قاعدة ومساحة النخبة تهبط بقيمة كل فرد فيها.. ليظل الملك أو الرئيس هو وحده الأعلى.. هو الإله..
على الجانب الآخر.. فسوف ينسحق أولئك الذين لم يفوزوا في الصراع.. أولئك الذين لم يستطيعوا الانضمام للنخبة.. إما عن رفض وإما عن عجز.. سوف يهبطون إلى الحثالة عن طريق برمجة دقيقة للاقتصاد والاستنزاف والسرقات والضرائب والرسوم وجداول الأجور ونفقات التعليم..سوف ينسحقون وينحدرون رويدا رويدا إلى طبقة الحثالة والغوغاء التي تشغلها هموم حياتها اليومية عن أي تأثير في مجريات الأمور..
يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات..
عندما تصلون إلى إعادة تشكيل شعوبكم على هذا النحو لن يوجد من بين شعوبكم من يوجه إليكم أي سؤال محرج.. سوف يكون الكل مجروحا.. الفرد والمجتمع.. الأحزاب والهيئات والمؤسسات والنقابات.. لكنكم ستواجهون هذه الأسئلة المحرجة من الخارج.
سوف تواجهون مثلا بسؤال يقول:
- جلالة الملك.. أنت تحكم من أكثر من عشرين عاما.. بدأت والصادرات خمسة مليارات انخفضت الآن إلى ثلاثة .. وبدأت والواردات مليارا ارتفعت الآن إلى عشرين.. وفى فترة أقل من فترة حكمك حققت دولة كسنغافورة معجزتها الاقتصادية الكبرى.. نعم.. ارتفعت وارداتها من أقل من مليار إلى أكثر من عشرة مليارات.. ولكن صادراتها ارتفعت من ثلاثة مليارات إلى مائة وثمانين مليارا.. ألا يعد هذا دليلا على فشل جلالتكم مهما كانت مبررات آلتكم الإعلامية..
قد تواجهون أيضا سؤالا يقول:
- فخامة الرئيس.. إن فخامتكم لم تنجحوا طيلة حكمكم في أي من مشروعات التنمية.. نجحتم فقط في تنمية جهاز الأمن..
أو سؤالا يلقيه مسلم تحميه جنسيته الأجنبية :
- أنتم تتهمون الدين بأنه سبب تخلف شعوبكم.. بينما الواقع يقول : لم ينهزم دين البسطاء الصحيح وإنما دين السادة العلمانى الوضيع هو الذي انهزم .. دينك يا سمو الأمير..
يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات.. عندما تواجهون مثل هذه الأسئلة فليس أمامكم سوى طريقين..
الطريق الأول تسلكونه إذا كانت العلاقات الظاهرية بينكم وبين الغرب ليست على ما يرام.. ( أرجوكم الانتباه لكلمة : الظاهرية).. وفى هذه الحالة ستمنون على شعوبكم ودولكم بأنه لولاكم لكان الانهيار التام..إن هزائمكم ليت هزائم بل نكسات.. وأن نجاحكم في أم المعارك أو أخواتها هو قدرتكم على المحافظة على البنيان وشكل الدولة متمثلة في رأسها.... ثم أن فداحة النكسات ترجع لضخامة الهجمة الإمبريالية وعنفها وشمولها وعنف المؤامرات والخدع التي لم يفطن إليها الشعب في الداخل ولا الأشقاء في الخارج.. أما أنتم فقد فعلتم كل ما عليكم.. بل ويزيد.. وبحديثكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات عن شراسة هجمة الأعداء فإن ذلك يستدعى على الفور أن أي تخل عن القيادة في هذه الفترة المصيرية من حياة الشعب هو خيانة للأمة وتحالف مع العدو. .. ثم أن تركيزنا على ضخامة الهجمة تتيح لنا أن نقول أن عبقريتنا هي التي لم تجعل الهزيمة كاملة.
الطريق الثاني تسلكونه عندما تتحسن العلاقات مع الغرب.. سوف تتحدثون عندها عن تحجر وتخلف الشعب.. عن جهله.. عن قلة إنتاجيته وزيادة استهلاكه.. عن غبائه وعدم قدرته على الفهم.. عن خيانة المعارضة.. وكل هذا مجرد تمهيد للبطش والقمع لشعب لم يربّ ويجب أن يساس بالحديد والنار... نعم .. عليكم أن تدفعوا شعوبكم للشعور بالإثم والعار لأنهم سبب كل هزيمة وتخلف.. وأنه لولاكم لساءت الأمور إلى غير حد.. عليكم أن تزرعوا في أذهان الناس أن العار يجللهم والخطيئة تحيط بهم وأنهم هم المسئولون عن كل ما حدث.. وأنكم تعالجون المصائب التي تسببوا فيها والكوارث إلى قادوا البلاد إليها بحكمة الفلاسفة وصبر أيوب.. نعم .. يجب – والحال ذاك - على الشعب الجاحد أن يقوم بالتكفير الدائم عن تخلفه لمحرريه ومنقذيه..وأن يكون هذا التكفير لكم يا جلالة الجلالات ويا فخامة الفخامات ويا سمو السماوات.. إنها فكرة الخطيئة الأبدية تلبس لباسا آخر.. انقلوها من مجال الدين إلى مجال السياسة .. وبيعوا صكوك الغفران .. وامنحوا صكوك الوطنية لمن تشاءون وادمغوا بالخيانة من تريدون..
إن هذه الطريقة في التفكير لن تساعدكم في الرد على الأسئلة المحرجة فقط.. فالأهم أنها سوف تخرس الشعب وتحاصره .. ليس ذلك فقط ..فإنها تؤثر على المثقفين المعارضين من بقايا الطبقة المتوسطة تأثيرا مزدوجا.. لأنهم والوضع ذاك.. وقد استسلم الشعب وراح يكفّر ويتوب .. دون أن يأمل أبدا في أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.. هذا الشعب المحكوم عليه بالذنب الدائم لن يعارض ولن ينتقد ولن يطمع في الكثير .. فإن أقصى ما يطمح أن يصل إليه هو التوقف عن ارتكاب ذنوب جديدة أما ما حدث فقد حدث ولا غفران له.. إن الملك أو الرئيس يقوم هنا بدور المخلص.. بدور من يحمل خطايا شعبه على كاهله ويقوم هو بدفع ثمن أخطاء غيره.. فطوبى لمن يفعل ذلك..
هذا الشعب الذي لا يكف ضميره عن تأنيبه سينظر بعدائية مضاعفة إلى المعارضين.. الذين مازالوا مصرين على الخطيئة التي كادت تورد الأمة موارد التهلكة لولا عبقرية الزعماء.
إنكم بهذه الطريقة في التفكير تغرقون شعوبكم في فشل مزدوج: الفشل الأول هو فشلكم في مواجهة أعداء الأمة.. لأنكم تتنصلون من هذا الفشل وتحملونه لشعوبكم.. أما الفشل الثاني الذي ستحيطون به شعوبكم.. فهو فشل هذه الشعوب في مواجهتكم.. فشلها في تغييركم أو توجيهكم أو السيطرة عليكم..
وبين هذين الفشلين ستصبح شعوبكم جثة هامدة.. أو سائمة.. تأكل وتشرب وتتناسل.. أما غير هذا فغير مسموح به.
هذا الرابط لقراءة أو تحميل الرواية كاملة – بروتوكولات حكماء العرب – د. محمد عباس
http://freedomvoice.eu/content/docs/ArabProtocols.pdf