الحديث عن قيام النهضة الإسلامية والعجز عن التطبيق *
كتبه / طلعت عبد السلام الخطابى
بسم الله الرحمن الرحيم
يؤكد لنا التاريخ على مر العصور أن الدول لابد لها
من قوة تقوم وتستمر بها ، ويؤكد ابن خلدون فى مقدمته
هذا المعنى حيث يقول : [ المُلك إنما يحصلُ بالتغلب ؛
والتغلب إنما يكون بالعصبية واتفاق الأهواء على المطالبة ]اهـ
وعلى الرغم من أن مسألة قيام الدول بالتغلب فى كلام ابن خلدون
يعتبر استقراء ناقصًا منه – رحمه الله – حيث هناك دول قامت وتقوم
بالشورى ، وبالوصية .. إلا أن كلامه أكثر واقعية فى عصرنا الحاضر
بالنسبة إلينا معشر المسلمين حيث تسلط طواغيت العالم على بلاد
المسلمين .. فلا قيام إذن لدولة الإسلام إلا بقوة وغلبة ؛ ويفترض أيضًا
أن الدول لابد لها من قوة تحميها بعد قيامها لضمان استمراريتها
مع بقية عناصر قيام الدول ، وهذا متفق عليه .
وقد استوقفنى عدد من الكتب التى تتكلم عن قيام النهضة
الإسلامية ، ولاحظتُ أنها كُتِبَتْ من خلال عالمٍ وردىٍّ تنظيرى
بحت لا يَمُتُّ للواقع بِصِلَةٍ ، ولا تعجب أيها القارئ الكريم
إذا وجدتَّ مَن يتكلم عن الغزو الفكرى ، وأن الأمة منهزمة،
وعن شروط قيام النهضةِ ، والتخطيط لذلك .. كل ذلك يُطرح
بقوة .. إلا أنك عندما تبحث عن كيفية قيام النهضة فى بلادنا
الإسلامية التى يرأسها الطواغيت ، وكيف سيسمح لنا الطواغيت
بهذا .. لا تجد جوابًا ؟!!
بل لعلك تجدُ مَن يُعَوِّل على الحاكم ( الطاغوت ) ويتوسم
فيه الخير .. بل وينصح ( الطاغوت ) بالخطوات الجدية التى
ينبغى أن يأخذها فى سبيل قيام النهضة ..
وكأن الكاتب ( وأغلب الكُتّاب فى هذا الشأن مثقفين جدًا )
لم يقرأوا أن الغرب وضع هؤلاء الطواغيت كعملاء لهم لكى يكونوا
عقبة أمام قيام دولة إسلامية فضلاً عن قيام حضارة ونهضة !
وكأن هؤلاء المثقفين لم يقرأوا أن الغرب يكرس معانى التبعية
إلى أقصى حدٍ ممكن !
إن ما يغفله هؤلاء الكُتّاب أو يتغافلونه عمدًا هو ما ذكرناه
بداية من أن الدول لابد لها من قوة وغلبة كى تقوم أولا وتزيح العقبات
–خاصة فى عصرنا الحاضر – وكى تستمر وتُحمى من أعدائها .
إنه المنطق الذى يغفله كثير من منظرى النهضة والمنسوبين للفكر الإسلامى
وأنى لهم قيام نهضة وحضارة إسلامية بدون دولة وسلطة ، ولاقيام
لدولة إسلامية إلا بالقوة ..
يقول د.محمد عمارة : [ يشهد التاريخ على أن كل المشروعات
الحضارية والنظريات السياسية والإجتماعية والمذاهب الفلسفية
تظل فى حيز الآمال والأحلام حتى يمتلك أصحابها ( السلطة ..
والدولة ) التى تضعها فى الممارسة والتطبيق .. كما يشهد التاريخ
على أن رسوخ هذه المشاريع الحضارية واستمرارِها وتطوُرِها
- بل وبقائها – هو رهن برسوخ ( السلطة .. والدولة ) التى
تمثلها وتنتمى إليها ، والقادرة على جمع وتفعيل هذا المشروع
الحضارى ] اهـ ، مجلة الأزهر ، صفر 1436هـ