كتب الشيخ عبد المجيد الهتاري الريمي:
من الذي يقتل أهل الإسلام و يترك أهل الأوثان دولة الخلافة أم حكومات و جماعات العلمنة ؟
و بعد:
ما أجرأك على الله يا من تتهم دولة الخلافة بمذهب الخوارج و ما أبعد فكرك و عقلك و علمك عن تقوى الله و عن الاهتداء بكتاب الله و سنة رسول الله و بيان ذلك من أوجه عديدة نذكر منها على سبيل الاختصار :
أولا: حرم الله الظلم تحريما قطعيا و من أعظم أنواع الظلم أن ترمي مسلما بما ليس فيه و خاصة رميه بكفر أو بدعة تستبيح بها دمه و أنت مبطل عند الله و قد جاء ( وَ مَنْ قَفَا مُؤْمِنًا أَوْ مُؤْمِنَةً، حَبَسَهُ اللَّهُ فِي رَدْغَةِ الْخَبَالِ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ، و في لفظ و مَنْ قالَ في مُؤمِنٍ مَا لَيسَ فيه أَسكْنَهُ اللَّه رَدغَةَ الْخبَالِ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قال ) و اللفظان معناهما واحد و القفو بمعنى الاتهام و منه الأثر ( نحن بنو النضر بن كنانة لا ننتفي من أبينا و لا نقفو أمنا. أي لا نتهمها و لا نقذفها ).
وخاصة أنه يتبرأ مما رميته به و لا يجوز أن تلصق جريمة ببريء حتى تثبت جريمته بطريقة قطعية إما بتصريحه بتبني جريمته أو بقيام البينات القاطعات على ذلك و ليس بالاستنباط المتكلف و الاتهام المجازف الذي يستنبطه خصومه و المدعون عليه .
ثانيا: الخوارج لا يتحاشون من التصريح بمذهبهم في التكفير بالمعاصي لأنهم يرونه حقا و هؤلاء يصرحون بالبراءة من مذهب الخوارج و يستدلون بطريقة أهل السنة و الجماعة في مسائل الوعد و الوعيد و قد عرفهم الناس أنهم أهل شجاعة و إقدام لا يخافون في الله لومة لائم فلو كانوا خوارج لصرحوا بمذهبهم كما صرحوا بتبنيهم الإسلام الحق مخالفين العالم و القريب و البعيد.
ثالثا: و مما يدل على ظلمك لهم أنك نزلت عليهم قوله صلى الله عليه و سلم في الخوارج أنهم يقتلون أهل الإسلام و يتركون أهل الأوثان مع أنهم لا يقتلون إلا من ثبت لديهم ردته بعمل ناقض متفق عليه بين أهل السنة و إن خالف فيه المرجئة القدامى و المعاصرون فلم يخالفوا الحديث و إنما قتلوا و قاتلوا أهل الأوثان .
رابعا: و تحاشيت عن تنزيل هذا الوصف عمن يستحقه فعلا من الحكومات العلمانية و ذلك أنهم لا يقاتلون اليوم إلا أهل الجهاد و هم أحق الناس بوصف الإسلام لأنهم يرفضون العلمانية و الديمقراطية و الحرية سواء كانوا من القاعدة أو الدولة و ترك المتحالفون مع الصليب مقاتلة اليهود و النصارى و الرافضة و تحالفوا ضد المجاهدين فقط .
خامسا: لم نرك تطبق هذا الوصف على الجماعات الإسلامية الديمقراطية التي ثارت على الحكام في مصر و سوريا و ليبيا و اليمن و العراق و فلسطين و لبنان و السودان و الجزائر و تسببت في قتل الآلاف في ليبيا وحدها يقال أن القتلى زادوا على خمسين ألفا و كلهم تركوا أهل الأوثان من اليهود و الصليبيين و فتحوا معارك و حروب أهلية داخلية جاهلية و لو كانت من أجل الإسلام لقيل حرب بين الإسلام و العلمانية الكافرة و لكن تلك الحروب كلها كانت من أجل الديمقراطية الغربية أي من أجل مذاهب أهل الأوثان فقد كانوا يحاربون مدافعين عن مذاهبهم بالوكالة عنهم و لهذا وقف أهل الأوثان معهم ضد حكم العسكر و اعتبروا العسكر خارجين عن الشرعية حتى تلبسوا بالشرعية الانتخابية التي جاءت بعد الانقلابات في هذه البلدان .
سادسا: لم نرك تطبق هذا الوصف على الحكام الذين دعموا و شجعوا الفتنة و القتال في مصر و سوريا و ليبيا و اليمن و العراق و فلسطين و لبنان و مالي و السودان و الجزائر و لا زالوا على ذلك و دعموا الحكومات و الجيش ضد الثائرين على الحكام و أنفقوا مالا عظيما على ذلك سواء من أيد الثوار أو من أيد الحكام و لم نرهم وجهوا أيا من هذه الجهود نحو اليهود و النصارى فهم ينطبق عليهم انطباقا أوليا أنهم يقتلون أهل الإسلام و يتركون أهل الأوثان فلماذا خصصت إطلاق هذا اللقب على دولة الخلافة و رجالها هل لأنها تريد بذلك تطبيق شرع الله أيها المخذول؟
سابعا: و ما أجرأك على رسوله حيث قلبت عليه مراده وحملت كلامه ما لم يحتمله و ما لم يقصده فهو قصد الخوارج الذين خرجوا يريدون أن يفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ممن خرجوا عن سنته و سنة الخلفاء الراشدين من بعده و أرادوا إقامة الحكم الجبري و العضوض في أمته و أنت حملته على من يريد إعادة الشريعة و الحكم بكتاب الله و سنة رسوله و سنة الخلفاء الراشدين لينقذ الأمة من الحكم الجبري و الحكم بالطاغوت و يخلصها من الاستعمار السياسي و الثقافي و العسكري .
ثامنا: و ما أجراك على رسوله حيث نزلت كلامه على الوضع العلماني فأفاد تنزيلك هذا أنه عليه الصلاة و السلام يريد في واقعنا اليوم الإبقاء على المذهب العلماني إلى أجل غير مسمى دفعا لمذهب الخوارج و لو أنك أقمت البديل الإسلامي ــ و هيهات أيها المبتدع أن توفق له ــ لقلنا إن الأمر أخف و لو كنت تريد حكم القاعدة مثلا كبديل عن الدولة ما حكمت عليها أيضا بانها من الخوارج و هذا يدل أنك إما راض بحكم الحكام أو بحكم الجماعات الإسلامية الديمقراطية إن بقي لها إسلام بعد دعوتها إلى الديمقراطية و دخولها فيها .
تاسعا: و ما أجرأك على رسوله حيث جعلت البديل عمن تسميهم الخوارج هم الجماعات الإسلامية الديمقراطية العلمانية و هم آتين بكفر يريدون تطبيقه في بلاد الإسلام بل و يريدون إزاحة الشريعة في صورتها الأولى و يريدون إسلاما يتوافق مع القوانين الاستعمارية في مجلس الأمن و الأمم المتحدة أما الخوارج فآتين ببدعة فهم أقرب إلى الله و إلى شرعه من جماعات الديمقراطية .
عاشرا: و ما أجراك على شريعة الله حيث فضلت الإبقاء على العلمانيين رافضا حكم الخوارج و العلمانيون مخالفون في الشريعة و العقيدة و يحاربون الشريعة و العقيدة و الخوارج مخالفون في العقيدة فقط .
و هذا كله على افتراض أن دولة الخلافة مذهبها مذهب الخوارج أما إذا كان مذهبك مذهب المرجئة و العلمانية و مذهب الدولة هو الإسلام النقي في صورته الأولى التي لم تعجبك بسبب انحرافك عن الإسلام و مرض قلبك من أحكامه و سميتها غلوا و تشددا و سميت مذاهب الديمقراطية التي تدعو إليها الجماعات الإسلامية و هي مذاهب العلمنة و الإرجاء أنها مذهب التسامح و يسر الإسلام فليت أمك لم تلدك و ما أظن مسلما صحيح الإسلام و عالما بشريعة الله يقرك على هذا .
الشيخ عبد المجيد بن محمود الهتاري الريمي