كتب خالد غريب:
---------- يا ليتنا ----------
يمكنك أن تشكك في أي شخص أمامك مهما بلغت ثقتك فيه... هذا وارد و من طبائع البشر.
إلا أن المعضلة الكبرى
أنه من الصعب بل عند بعضهم من المستحيل أن يشكك المرء في نفسه بالرغم أن النفس أمارة بالسوء.
و من هنا يتحدث علماء الإجتماع و العلوم النفسية عن صعوبة التغيير و القصد هنا هو تغيير أنماط الفكر و تعديل تراكمات ثقافية إستقرت في الأذهان و تأقلمت معها الحياه حتى و إن كانت خاطئة.
و هي تلك الاشكالية التي وصلت إلى حد الموافقة على الخطأ أي كان شكله أو مكانه... فقط لإستحالة التغيير بل وصل الحد إلى خلق مبررات قبوله لنفس الاسباب.
أما الخطير في الأمر و الذي لم يتطرق إليه علماء الإجتماع و علماء النفس هو ما إذا كان ذلك الخطأ في العقيدة ( لأن مصادر تلك العلوم غربية لا دينية ) و هي الطامة الكبرى التي نعاني منها عبر عصور طويلة لأنها إشكالية لم تطرح من قبل بشكلها العلمي المنهجي الحديث.
بمعنى ماذا لو إكتشفت أو إصطدمت بأنك تعيش منذ أن ولدت في خطأ عقائدي أسست عليه ثقافتك و إشتبكت به مع واقعك و إنصهرت في بوتقة كبيرة سلفها نفس الخطأ...!
فبما أنك نفس بشرية إنسانية فبلا شك فأنت خاضع لنفس المقاييس العلمية الحديثة و ستكون غير قادر على التغيير... و لا سيما أن الخطأ ذاته يمس هذا الجانب و هو إستئناس الإنحراف و التعايش معه... !!!
و الأصل الشرعي في هذا تلميحات كثيرة للغاية... تحذر من طول الزمن و قسوة القلوب و طغيان النفس و نزعاتها و رغباتها و إستئناس الأخطاء و تراكمها و التعايش معها... بل و الأخطر كما أسلفنا سابقا هو إيجاد مبرراتها.
فإتهام النفس أصبح الأن من النوادر أو الظواهر النادرة بل يمكنك أن تقول أنها أصبحت معدومة ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا )
و لا سيما أن الحضارة الحديثة كرست التوحد مع النفس بل وضعت ضمانات هذا التوحد بأن صدرت في المفاهيم السائدة قضية ( الشيزوفرنيا ) بمعنى إنفصام الشخصية لتثبيت قضية التوحد مع هذا العدو الخفي ( النفس الأمارة بالسوء... على عكس إرشادات الشريعة التي دائما ما تنبه و تحذر و توصي بالفصل دائما بل و المحاسبة بين طرفين و هما أنت و نفسك.
الشاهد أيها الاخوة
أن حالة التيه التي تعيشها الأمة الأن لها شفرات غاية في البساطة إن تم فكها وضحت الأمور بشكل سهل...
و هو إيجاد المعايير الصحيحة... و ليست معايير النفس و ليست معايير تراكمات الثقافة الغالبة و ليست معايير أمر الواقع المفروض...
بل المعايير الصحيحة المطلقة و المجردة و التي مصدرها ببساطة الكتاب و السنة
و حالة التشكيك لابد من أن تطال النفس أو الذات لأنها يقينا هي جزء من الواقع فيجب محاولة تعلم إستراتيجية جديدة و هي القفز فوق الذات... فلا يكفي فقط الإعتراض على الواقع أو لعن الأحداث فهذا لا يحدث التغيير... فاللعن هنا للواقع يطال الذات نفسها و التي هي جزء من مكونات الواقع...
فطريقة تفكير الكثير و خصوصا من النخب تتحدث بأنماط تصدير الفكر أي الحديث في اتجاه واحد مقولب و يتم تطويع العقبات كما أسلفنا بالمبررات و مناورات النفس المعروفة...
و لذا
قد يكون تقبل المتغيرات صعب جدا لأن هناك قدر و الاقدار نافذة لا محالة أما القضية فيما هو قادم أن الإستمرار في هذا النمط سيؤدي إلى الكفر و الهلاك لا محالة فعند الإصطدام مع القدر مع عدم القدرة للتغيير سيحدث رفض للقدر و إيجاد نفس المبررات ( و تلك هي عين الفتنة و الإبتلاء )
و لذا حرص القرآن على التوصية المستمرة بالإستعانة بالله و الإلحاح في طلب الهداية... و معرفة الحق... لان حدود الادراك و طول المراحل الزمنية و إئتلاف و إستئناس الثقافة و الخطأ قد يحوله بإغراءات النفس و الأبالسة من الإنس و الجن يحوله إلى باطل بمنتهى السهولة فيدخل الانسان في الكفر طواعية...
...و تعالوا معي نتذكر فتنة الدجال و فتنة النساء التي وردت في أخر خطبة للحبيب صلى الله عليه و سلم نظراً لاهميتهما...
كلاهما مصادرهما النفس و نزعاتها و رغباتها و خداعها بمساعدة أبالسة الإنس و الجن... فشهوة النساء ذاتية خارجة من النفس و فطرتها... و كذلك فتنة الدجال... و هي ليست كما يظنها البعض أنها فتنة قوة و غلبة للدجال بل هي فتنة إستدراج لنزعات النفس فمن سيصدقه سيصدقه طواعية و ليس مرغما... لأنه إذا كان مرغما أو خائفا ( قد يدخل في الرخص ) بل الدجال نظام و حضارة و ثقافة سيقودها الدجال نفسه و سيمتلك قدرات فائقة لإدارتها ( بقدر الله ) تستدرج النفس أياً كانت توجهاتها و على رأسها أنفس المسلمين و حتى المتديين منهم من خلال نفس المسارات.
فها نحن نرى و نسمع و نشاهد نخب كثيرة من مناهج إسلامية ليس فقط الظاهرين و المصدرين كجزء من الأنظمة القائمة ( علماء المؤسسات و الأعلام ) بل حتى النخب التي كانت تحمل توجهات ممانعة و معارضة ( ثورية ) نسمع أفكار و فلسفات تعد جزء أصيل من نظام الدجال و هو الجزء الخاص ( بالمعارضة ) و المشهور فيما يسمى بالأنظمة الديمقراطية... فلا فرق أن يكون بنكهة إسلامية أو غيرها المهم أن يدور داخل فلك النظام ككل و هذا ما حدث فعلا... بل وصل الأمر بإستقطاب بعض النخب التي كفرت بهذا النظام سابقا و نشأت و ترعرعت خارج محيط شراكه بل و حاربته و إستنزفته سنوات و سنوات... ها هي الأن إستدرجت إلى محيطه و دوائر شراكه بشكل أو بآخر محتفظة بنفس شكلها و فرداتها و لكن لتشكل و تزيد الجزء المعارض عمقا و ترسيخا... و من ثم ترسيخ النظام ككل ...
فوفق ما سبق المسألة ليست سهلة و فيها ألغام كثيرة قد تنفجر في أي لحظة و ألغام هنا بمعنى أنها غير مرئية و لا محسوسة و هو ما سبق توضيحه... فقط قد يكون الامر دفع بطيئ زمني مكاني للوصول إلى مناطق تلامس هذا النظام دون المساس بالمفردات... و هذا ما وضح جليا في الكثير من النخب الإسلامية
الخلاصة.
حقا إنها أيام فتن طالت الفرد و الجماعة و الفتنة... ألخصها في محور واحد و هو القدرة و المرونة على التغيير و التوجه الى المسار الصحيح و التجرد و العودة الى المعايير الحقيقية و ليست معايير النفس و القولبة المسبقة و خصوصا إذا ظهر جليا... مهما كانت الصدمات السياسية أو الإجتماعية أو الحضارية فالصدمة أمر بديهي و حدث في الأمم السابقة و ليس جديدا بل أخبرنا به القرآن و كرره لنا كثيرا حتى نتجهز و نتقبل تلك الصدمات لا أن نقاومها و نرفضها كنتيجة صعوبة مرونة التغيير... و تجنب ممانعات التغيير كما سبق ذكرها...
و أعتقد أن هذا مناط الفتنة الحقيقي...
فالمدهش أن الأمور أصبحت واضحة... و حتى المبررات تتساقط سريعا بفعل القدر و الغريب أنه كلما سقط مبرر ظهر مبرر أخر للإستمرار في الخطأ. ..
على أية حال لا زلت أنصح نفسي و إخواني بالتجرد الكامل و أنبه أننا في خضم عمق الفتنة و أن القادم قد يكون اسرع من المراجعة... و الأصعب هو ذكر ( يا ليتنا )
و الوارد ذكرها في آيات الذكر الحكيم
المهندس خالد غريب